للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أنه يجهل - وأنا أيضاً أجهل وسائر الناس يجهلون - كيف كانت الوثنية العربية، لأن تلك الوثنية طمست آثارها منذ أزمان طوال ولم تذكر في أي كتاب إلا بالتحقير والتصغير والتقبيح

وأنا أتحدى الأستاذ أحمد أمين أن يذكر كتاباً واحداً عني مؤلفه بشرح الوثنية الجاهلية شرحاً بين ما لها وما عليها بلا تزيد ولا بهتان

إن العرب ألفوا كتباً كثيرة عن الأصنام، ولكن الغرض من تلك الكتب كان غرضاً دينيا، وهو غرض شريف أرادوا به أن يجعلوا رجعة العرب إلى وثنيتهم من المستحيلات. ولو كانوا يعرفون أن تلك الكتب ستكون حجة يعتمد عليها من يشاء له هواه تحقير الأرومة العربية وتمجيد الأرومة اليونانية لحفظوا لأسلافهم بعض ما كان لهم من حسنات في الجاهلية

والحق أن الخلفاء الراشدين كانوا في غاية من الحزم الصارم العنيف الشريف في حرب الوثنية الجاهلية، لأنهم كانوا يريدون أن يكونوا أمثله عالية في رعاية الميراث الذي خلفه الرسول الكريم، وهو ميراث التوحيد، فلم يسمحوا لأحد برواية الأشعار التي تمثل الوثنية الجاهلية، وخاف المسلمون على دينهم فهجروا ما خلفت الوثنية من أسماء وأحاديث، وبالغوا في التصون من تلك الآثار لئلا يقال إن فيهم نزعة وثنية

كان للعرب صنم أسمه يغوث، فهل يعرف أحمد أمين مبلغ الأساطير التي صيغت حول يغوث؟ وهل يعرف ما صيغ حول اللات والعزى من أقاصيص؟ وهل يستطيع أن يقول بأن الوثنية العربية بقيت سليمة من التحريف والتبديل؟

لو بقيت الأساطير الجاهلية لاستطعنا أن نعرف شيئاً عن الوثنية العربية، ولكن تلك الأساطير ضاعت إلى الأبد، لأن روايتها كانت محرمة على المسلمين، والحكم على الغائب لا يخلو من تعسف واستبداد

لو أن الأستاذ أحمد أمين حين تحدث عن وثنية العرب بالتقبيح كان يريد إظهار فضل الإسلام على العرب لتلقينا كلامه بالقبول. فالإسلام نقل العرب من الظلمات إلى النور، ولكن أحمد أمين يحقر الوثنية العربية لغرض آخر هو قوله الصريح بسماوية الوثنية اليونانية وأرضية الوثنية العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>