للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كنت أحب أن أنقض كلام أحمد أمين بشواهد من التاريخ؛ ولكن أين أجد تلك الشواهد وقد تقرب العرب إلى الله بوأد الوثنية الجاهلية؟

وهل أملك اختراع الحجج والبراهين، وقد تلقيت عن أساتذتي في الجامعة المصرية وجامعة باريس دروساً كثيرة في تكوين عناصر الحجج والبراهين؟

الحق أني لا أملك إسكات أحمد أمين لأنه يعتمد في تحقير الوثنية العربية على ما رواه القصاص وأنا لا أقيم لتلك الروايات أي ميزان

فالعجز من جانبي تقضي به العقلية العلمية - ولا فخر - والقدرة من جانبه تقضي بها العقلية العامة من غير شك

إن العرب خلعوا وثنيتهم عامدين متعمدين طاعة لله الذي نهاهم عن التعلق بالوثنية، ولم يحفظوا من صور تلك الوثنية غير الصور التي قبحها القرآن ليروضهم على التوحيد، فمن حدثكم أن العرب في جاهليتهم كانوا يعيشون بعقلية أرضية وضيعة فاعلموا أنه يحكم على الغائب بلا بينة ولا برهان

وهنا مسألة دقيقة لا يمكن أن تخطر في بال الأستاذ أحمد أمين، لأنه على فضله بعيد كل البعد عن التعمق والاستقصاء

قلت لكم إن الرب بين الوثنية والتوحيد قضت باندحار الوثنية وتلطيخ سمعتها بالسواد، وأقول الآن إن هناك حرباً ثانية عانتها الوثنية العربية أيام فتنة الشعوبية، فقد أراد الشعوبيون أن يجعلوا العرب في جاهليتهم مثلاً في السخف والحمق والخبال، ولذلك تفاصيل يعرفها من يقرأ كتب الأدب والتاريخ بعقلية المؤرخ. . .

وكذلك نعرف أن الوثنية العربية عوديت مرتين: مرة بسبب العصبية الدينية، ومره بسبب العصبية الجنسية. وقد خفيت أسباب العداوة الثانية على كثير من الناس

وخلاصة القول أن الوثنية العربية حوربت بلا هوادة ولا رفق، ولم يبق من أصولها السليمة ما يعين الباحث على تصحيح العقلية العربية في العصر الذي نسخه الدين الحنيف، فمن حق أحمد أمين أن يتزيد على العرب كيف شاء، ومن حقنا أن نقول: إن إصراره على تحقير العرب في جاهليتهم (وهو لا يعرف شيئاً صحيحاً عن وثنيتهم) هو إصرار الرجل المحروم من نور المعرفة بأصول المباحث العلمية في العصر الحديث

<<  <  ج:
ص:  >  >>