وجليل جماله، فإذا ناجى المخلوق صورة آدمية جميلة فهو لا يناجيها هي بالذات وإنما يناجي خلقه البادي جماله ومظاهر قوته في معانيها. ولذا نجد أبن الفارض يقرر في تائيته الكبرى أن حسن كل مليح ومليحة معار من حسن الذات الإلهية، وأن قيساً حينما هام بلبنى، وأن مجنون ليلى حينما هام بليلى، وأن كثير عزة حين هام بعزة، وأن كل العشاق حين يهيمون بمعشوقيهم لا يهيمون بهم على الحقيقة، وإنما هم يهيمون بالذات الإلهية التي صورت تلك الصور فأحسنت خلقها، وأن الله مرئي وأن تلك الصور الجميلة المختلفة وإن تعددت إنما تعبر عن معنى واحد وهو الجمال الإلهي، وأن العشاق جميعاً ينضوون تحت لواء لأنهم جميعاً يعشقون معنى واحداً. وبعد أن ذكر في شعره شوقه اللذات الإلهية كلما رأى حسناً وكلما هاجه حب، فيشاهدها فكره بطرف تخيله، ويسمعها ذكره بمسمع فطنته، فينتشي في ظاهره ويطرب في باطنه، ويرقص قلبه وتشدو روحه، ويراها ماثله في معاني الحسن والجلال - خرج من ذلك إلى أن الإنسان يمثل الله على أرضه لأن فيه معنى من معاني جلال الرب. وكما أن من شاهد نفسه في مرآة بدت له صورتها، وأن من تكلم بأكناف القصور سمع صوت نداه، فكذلك كل مظاهر القوة والجمال في هذا العالم ليست غير المعنى الإلهي الذي أودعه فيها. فالعبد على هذا إذا ناجى ربه فإنما يناجي علة وجوده، والرب إذا ناجى عبده فإنما يناجي خلقه وصنعه، فالصلة بين العبد وربه إذن صلة موجود وموجد، وما دام الموجود أصل الموجود، والموجود لا يوجد إلا بهذا الموجد فالعبد عند معرفته نفسه ووقوفها على سموها ورفعتها إنما يعرف في ذلك ربه. والصورة الجميلة على ذلك إذا نوجيت وإذا عشقت وإذا هيم بها، فإنما يهام بها وتناجى وتعشق لهذا المعنى. هذا مثل نضربه للسادة الحسيين. وإذا أرادوا أمثله أخرى فليرجعوا إلى لكتابينا مملكة الجمال والحق والخير، ومناجاة الجمال، ليجدوا أنا نرى أن الذي يشوق هو الحياة في العيون، حياة بريقها وحياة سحرها، والحياة في الحديث والحياة في الابتسامة، وأن خفة الروح هي الني تحبب ألينا الجميل، تحبب ألينا حديثه فتجعله مغناطيسياً جاذباً لقلوبنا، وتبعث ألينا فتنته فتور عينيه، وترسل ألينا تحيته ابتسامته وأنها صلة روحية يعوزنا لتذوقها أن نتفهمها لتحول بينها وبين البهيمية ولنقدس بها المنعم علينا بها. وأحب بعد ذلك من هؤلاء الحسيين أن يجولوا معنا في كتاب تهذيب الأخلاق لأبن مسكويه جولة قصيرة ليقفوا أمام قوله: (وقد