ازدياد هذا الغموض؛ فمن جهة نرى ستافسكي الفتى الأنيق الجواد الذي ينثر المال أينما حل بسخاء لم يسمع به، ورب الأسرة الوفي الذي يعبد زوجته وولديه، والمالي الذكي الساحر الذي لا يفتر نشاطه والذي يتقدم كل يوم لإنشاء مشاريع وشركات مالية جديدة ظاهرة القوة والنجاح، إذا بنا نرى من جهة أخرى ذلك الأفاق البارع الخطر الذي لا يفتأ يرتكب جرائم التزوير والنصب والاختلاس تباعا، والذي يحيط نفسه بعصابة مريبة من كبار المزورين، ويشتري ذمم جميع الرجال المسئولين الذين يوجدون في طريقه ويستخلص لنفسه مئات الملايين من أموال الأرامل واليتامى وصغار المودعين، ثم ينفقها على ترفه وبذخه المجرم دون ضمير ولا وازع، ونرى آثار مشاريعه الخيالية الجهنمية تتغلغل في صميم المالية العليا والحياة ت العامة، ونرى أعين السلطات والمحققين تغضي عن تتبع جرائمه مع العلم بها، تلك هي شخصية ستافسكي.
ولد سرج الكساندر ستافسكي سنة ١٨٨٦ في سبودكا من أعمال روسيا؛ ونزح إلى فرنسا بعد الحرب وتجنس بالجنسية الفرنسية، وبدأ حياته المالية في باريس وسيطا في تجارة الجواهر والحلي. ثم نشط إلى تأسيس الشركات المالية المختلفة، فأسس شركة لصنع اللحوم المقددة، وأخرى للسينما، وثالثة لبيع بعض الأجهزة الطبية وهكذا: ولكن هذه الشركات كانت مريبة، ولم تكن سوى ستار لسلسلة من جرائم التزوير والنصب ارتكبها ستافسكي، واستولى بواسطتها على ملايين عديدة. وكانت أعظم وسائله اذ ذاك تزوير قيم التحاويل المسحوبة لإذنه. واستطاع بهذه الوسيلة أن يحصل خلال سنتي ١٩٢٥و١٩٢٦ على ستة ملايين فرنك، وهنا اكتشف أمره وصدر الأمر بالقبض عليه بناء على عدة شكاوى قدمت في حقه من البنوك، فاختفى مدة ولم يستطع البوليس أن يقبض عليه الا بعد أشهر. وقضى ستافسكي في الحبس الاحتياطي حينا ثم استطاع أن يحصل على قرار بالإفراج عنه ريثما تتم المحاكمة. وقدم إلى المحاكمة بتهم النصب والتزوير والاختلاس مع آخرين. ولكن هذه المحاكمة لم تتم قط منذ سنة ١٩٢٦، ولا زالت حتى اليوم معلقة للنظر امام محكمة الجنح. وكانت مدى أعوام ثمانية تؤجل في كل مرة إلى آجال طويلة لأتفه الأسباب؛ وظهر فيما بعد أن ذلك يرجع إلى نفوذ مؤثرات معينة، وأن الأفاق استطاع أن نؤثر عن طريق أصدقائه الأقوياء على سير القضاء كما استطاع أن يؤثر في عمل البوليس، ولما ظهرت