للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فعاد بعضها إلى التسلح، وتذرع بعضها بالتحالف، وآثر بعضها الوحدة ونظام الحياد الدقيق. ولكن شيئاً من ذلك لم يفلح لوقاية العالم من الحرب، وإن كانت كل أمة من هذه الأمم تعتقد تمام الاعتقاد بأن الحرب إذا اندلع لهيبها - ولا يستطيع أحد أن يقول إن هذا أمر بعيد الوقوع - فسوف لا تنتهي إلا وهي على حافة الدمار

إن فكرة السيادة الدولية هي أهم أسباب الحرب. فمن أجل السيادة يقضي على العالم الإنساني بأن يعيش تحت عوامل الفوضى وإذا كانت هناك أسباب أخر لاشك فيها لإثارة نيران الحرب كالخوف والطمع والزهد والتعصب للعنصر، إلا أن هذه الفوضى. هي التي تشعل نيران تلك الشرور، وتجعلها أمراً لا مفر منه، فلا تلبث أن تؤدي إلى الحرب عاجلاً أو آجلاً، كما هو الشأن منذ سقوط آخر نظام عالمي وهو نظام الإمبراطورية الرومانية. لذلك تقع الحرب بين الأمم ذات السيادة فحسب، أو الأمم التي تسعى وراء السيادة. والسيادة تجعل المنافسة على التسليح أمراً لا معدي عنه، وتضحي بالأخلاق في سبيل النفوذ السياسي، وتسوق الأمم القوية إلى الاستعمار والضعيفة إلى طلب الاستقلال، وتقضي على فكرة التعاون التجاري بين الدول، وتزيد في عدد العمال المتعطلين بزيادة التعريفة الجمركية وغيرها من العوائق، وتزعزع الحالة المالية والاقتصادية، وتقضي على حقوق الفرد، وتحيل الأمم وهي في طريقها الذي لا آخر له في طلب الأمن بالقوى الحربية - إلى مجرد ولايات للرق والاستعباد

إن العلاج الوحيد للحرب هو الاتحاد الذي ينطوي على القضاء التام على فكرة السيادة الدولية، سواء اتخذت مظهر القوة كما يرى الاشتراكيون والفاشست، أو اتخذت صفة التحالف الديمقراطي. فكل اتفاق يؤول في النهاية إلى السيادة سيكون نصيبه أن يفشل تماماً كما فشل في الولايات المتحدة ما بين سنة (١٨٨١ - ١٨٨٩) إذ أن الداء الكمين الذي يسبب الحرب لم تستأصل جذوره

يجب أن نختار بين الحرب، والسعي المتواصل وراء السيادة الدولية، مع ما في ذلك من القضاء على السلم وحرية الفرد، وبين الرجوع إلى فكرة حقوق الإنسان القائمة على اتحاد الشعوب تحت نظام إقطاعي كالذي تسير عليه أمريكا الآن إذا كان للحرية أن تعيش، وللسلم أن يقوم على دعائم ثابتة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>