وقد كان الرق شائعاً قبل الإسلام في جزيرة العرب، فكان الناس يتخطفون الغلمان والفتيات من بين أهلهم ويذهبون بهم إلى الأسواق حيث يوجد النخاسون وسماسرة الرقيق؛ وكذلك كان شائعاً قبل الإسلام في أمتي الفرس والرومان على ما كان في جزيرة العرب وأشد
وكانت معاملة الأرقاء في هذه الأمم تختلف في القسوة واللين تبعاً لاختلاف دياناتها وتقاليدها، إلا أن هذه المعاملة على العموم كانت قاسية جداً يظهر فيها سلطان القوي على الضعيف بأجلى معانيه، بل إن الديانة الهندية القديمة المؤسسة على رعاية الطبقات البشرية كانت تعتبر الأرقاء من الطبقة الدنيا التي تلزمها الخسة لذاتها، ولا يمكن أن ترقى يوماً إلى ذروة الطهارة الإنسانية
فجاء الإسلام وسوى بين الناس جميعاً وأعلن أن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، ولكنه وجد نظام الاسترقاق قائماً بين الأمم ومعتبراً فيها من النظم الاجتماعية المتغلغلة في صميم الحياة إذ ذاك، فلم ير من الحكمة في التشريع أن يلغي هذا النظام إلغاء تاماً بل عمد إلى تقرير المبادئ الآتية التي تخفف من آثار الرق وتنظم العلاقة بين المالك والمملوك لا على أساس القوة والضعف كما كان في الأمم السابقة، بل على أساس المحبة والأخوة وتبادل المنافع والتعاون في شؤون الحياة. ولا نبالغ إذا قلنا إن مبادئ الإسلام التي شرعها في الاسترقاق تعتبر بمثابة إلغاء الرقيق. وإليك بعضاً من هذه البادئ
أولاً: ضيق الإسلام في أسباب الرق حتى حصرها في سبب واحد هو محاربة المشركين للإسلام وصدهم الناس عن سبيل الله، فأذن للمسلمين الذين يدافعون عن دينهم ويردون عنه عادية المشركين أن يضربوا الرق على من يقع بين أيديهم من أسرى هؤلاء المشركين المحاربين
ثانياً: لم يجعل هذا الاسترقاق ضربة لازب ولا نتيجة حتمية لمحاربة المشركين والظفر بهم، بل جعل ذلك من قبيل نظم السياسة الحربية، فخير الإمام في أن يلجأ إلى الاسترقاق إذا رآه وسيلة من وسائل الإعزاز لدين الله وكسر شوكة المعتدين، وفي أن يمن على الأسرى فيطلق سراحهم بفداء أو من غير فداء
ثالثاً: إذا رأى الإمام أن في الاسترقاق وسيلة حربية لإعزاز الدين ودفع اعتداء المعتدين فلجأ إليه فإن الإسلام لم يترك الحبل على الغارب ولا ترك الرقيق لمشيئة مالكه ورحمته