والتاريخ الصحيح يقول بغير ذلك، فالعرب في الجاهلية كانت لهم حواضر في الحجاز واليمن والشام والعراق، وكان لهم في تلك البلاد آداب وفنون، ولو عاش قصر غمدان وقصر الخورنق لاستطعنا أن نعرف كيف فهموا قواعد النحت والتصوير وكيف برعوا في تسجيل حوادث التاريخ
ولنفرض أن العرب جهلوا النحت والتصوير كل الجهل، فكيف جاز مع هذا الفرض أن ينهاهم الإسلام عن النحت والتصوير؟ وهل ينهى الإسلام عن شيء غير موجود؟
قل كلاماً غير هذا الكلام يا أستاذ أمين ليصدق الناس دعواك!
قد يقال: وأين آثار النحت والتصوير في البلاد العربية؟
ونجيب بأن ذلك كله بدده الإسلام عامداً متعمداً ليذهب آثار الشرك والوثنية!
وهل تعرفون كم أثراً فنياً حطمه المسلمون بمكة يوم الفتح؟
لقد كانت مصر مملوءة بغرائب التماثيل فحطمها المسلمون ليمحوا شواهد الوثنية الفرعونية. والذي قرءوا التاريخ يذكرون ما فعل الشيخ محمد صائم الدهر: فقد طاف بمصر من الشمال إلى الجنوب ليهشم ما ترك المصريون القدماء من الأصنام والأوثان، وهو الذي جدع أنف أبي الهول، ولو استطاع لحوله إلى رماد
وبعد إسلام أهل مصر بقيت فيهم بقايا من احترام تمثيل الأسود فكانوا يقيمونها فوق قناطر النيل، وكان الشيخ محمد صائم الدهر يسطو عليها من وقت إلى وقت فيهشم منها ما يستطيع
فإن مررتم على جسر إسماعيل بقصر النيل ورأيتموه محروساً بأسدين فتذكروا أن تلك الصور الأسدية ليست إلا رجعة إلى ما كان يصنع المسلمون في تزيين قناطر النيل بصور الأسود. وإن زرتم أطلال الكرنك ورأيتم مداخل القصر محروسة بعشرات الأسود فاعرفوا أن هذا من ذاك
توهم احمد أمين أن دين العرب في الجاهلية كان أرضياً وضيعاً، فكان ذلك التوهم سناداً يركن إليه في تحقير التشبيهات الجاهلية، فهي عنده لاصقة بالأرض وشاهد ذلك أن الجاهليين يشبهون الحيوان بحيوان مثله كتشبيه الناقة بالظليم أو بالثور الوحشي أو بالنعامة أو بالأتان