حاكمة توالت على عرش مصر في مدى ثلاثة آلاف سنة أو يزيد. وإذا كان موسى عليه السلام قد لقي من عنت فرعون ما دفعه إلى الخروج بقومه من مصر، فإن يوسف عليه السلام قد لقي عند فرعون إكراماً وتقديراً لمواهبه واستغلالاً لتلك المواهب في حكم البلاد. قال تعالى:(وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي، فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين. قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم. وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء. نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين)
هذه هي نقطة الضعف في السبب الديني الذي يدعو إلى كراهية الفرعونية في مصر. أما السبب السياسي وهو أن الفرعونية تقف حجر عثرة في سبيل الوحدة العربية فذلك أنهم يريدون أن تقوم هذه الوحدة على أساس الاشتراك الجنسي دون العنصرية أو القومي، فهم لذلك يريدون أن يفرضوا العربية على جميع الذين يدخلونهم في نطاق هذا (الحلف العربي) أو (الاتحاد العربي) ويستعظمون أن يتسمى أحدهم بغير هذا الاسم. فأنا آخذ عليهم هذا. وذلك أن العرب خرجوا من جزيرتهم - التي هي وطنهم الأول الخاص بهم - يحملون مشعل الإسلام في أيمانهم فنزلوا على الشعوب الأخرى واختلطوا بها اختلاطين: اختلاطاً ثقافياً واختلاطاً جنسياً. . . فأما الثقافي فبني على أساس الإسلام والقرآن والأدب العربي، وأما الجنسي فعلى أساس المزاوجة والمصاهرة. ولا شك أن الاختلاط الأول كان أفعل من الثاني؛ فإن الجنسيات الأصيلة في البلاد المفتوحة لم تمح محواً إن لم تكن قد حافظت على تغلبها في أكثر تلك البلاد، بينما غلبت الثقافة العربية على جميعها وإن كانت المؤثرات الجديدة التي صحبت التوسع العربي قد استدعت منذ انتهاء الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، أن يعترف بانتهاء تسميتها (بالدولة العربية) فأصبح المؤرخون يسمونها بعد هذا التاريخ (بالدولة الإسلامية)!
وإني ارجوا ألا يفهم من هذا أنني لا أؤيد وجود وحدة بأي نوع من الاتحاد وتحت أي اسم من الأسماء، ولكني أوجه إلى أقرب الطرق إلى تحقيق حلم من هذا النوع. . . إن مباحث الأدب والتاريخ لا تنتهي، ولكنها تصبح عظيمة الجدوى إذا اصطحبها النظر إلى واقع الظروف القومية والاجتماعية الملابسة، وقد تتحقق الوحدة المنشودة بإرشاد المخالفين لها أكثر مما تتحقق بإرشاد المؤيدين، فإن الناظر إلى حالة كل دولة شرقية على حدة يدرك