تتقوض الأوطان وهي كدأبها ... من عهد نوح تربة ورجالا
عهد على الله القدير وذمة ... ألا تضيم لها الكوارث آلا
فتجنبوا فيها القنوط واجزلوا ... قسط البنين معارفاً وخصالا
إنا لنرجوها ونوقن أنه ... ما كان يوماً لا يكون محالا
وستستقل فلا تقولوا إنها ... صمد الهوان بها فلا استقلالا
فظهرت القصيدة وليس فيها البيت الأخير، وسألت عنه أين ذهب؟ فقال لي رئيس التحرير ضاحكاً: في بطن المكتوبجي هذه المرة لا في بطن الشاعر! أيهمك أن تذهب إلى حيث ذهب هذا البيت العزيز من القصيدة؟!
وشاءت المقادير أن أعمل في قلم المطبوعات، لأنني خلوت من العمل واحتجت إلى الإقامة بالعاصمة بضعة أشهر في جو رفيق وفي عمل يناسب ما كنت أعانيه من السقم
فلم أشأ أن أكون (مكتوبجياً) وأنا أعلم نصيب المكتوبجي من السخرية في مجالس الأدباء والصحفيين
فلم يمض أسبوع واحد حتى دعاني مستر (هورنبلور) مدير المطبوعات إليه في مكتبه، وكان رجلاً متحذلقاً يدعي المعرفة بجميع الأشياء وفي مقدمتها اللغة العربية الفصحى التي لا يحسن نطقها، وبدهني قائلاً:
- إذا لم يكن عطفك معنا فلماذا تعمل في هذه الوظيفة؟
قلت: إنني لا فهم ما تعنيه
قال: إنك لا تتوخى الدقة في مراجعة الصحف. وأراني أخباراً تركتها في بعض الصحف وكان من حقها أن تحذف محافظة على (أمن الخواطر)
قلت: إنني لا أجد في هذه الأخبار ما يمتنع نشره بين المصريين، وإني أقرأ في الصحف الإنجليزية نفسها ما هو أهم من هذه الأخبار. فلماذا ينبغي أن يجهل المصريون ما يعلمه الإنجليز وهم محاربون؟!
والواقع أننا كنا نقرأ الصحف الإنجليزية يومئذ فنطلع فيها على أخطر الأخبار وأعنف اللهجات في انتقاد تقصير الحكومة. وكانت هذه الصحف كثيرة الانتشار في مصر لانتشار الضباط والجنود الإنجليز فيها، فإذا وصل بها البريد بعد تقطع وروده فترة من الزمن علمنا