ولكن أحمد أمين قد لا يرضى بظاهر كلامه فيقول إن العرب بعد الإسلام هم الأمم التي تكلمت لغة القرآن في الشرق والغرب بعد ازدهار الحضارة الإسلامية
إن قال ذلك فقد حق عليه الخطأ فيما ادعاه من ضعف سيطرة القرآن على الأخيلة الشعرية في تلك الشعوب
إن أحمد أمين لم يدرس الشعر الإسلامي دراسة جدية، وماضيه العلمي يشهد بذلك، فأعماله كلها كانت محصورة في الدراسات الشرعية والأخلاقية، ولو شئت لذكرته بالأساس الذي أقيم عليه كتاب فجر الإسلام، فقد كان مفروضاً أن يدرس أحمد أمين تطور التأليف، وأن يدرس طه حسين تطور الأدب، وأن يدرس عبد الحميد العبادي تحول السياسة. فالرجل في نفسه وفي أنفس زملائه مؤلف لا أديب
وما يعيب أحمد أمين ألا يكون أديباً، فله مواهب في شؤون غير شؤون الأدب تعوض عليه هذا النقص. ولو وقف حياته على دراسة الفقه والتوحيد لظفر بنصيب من التفرد والتفوق
ولكن يعيب أحمد أمين أن يحاول فهم سرائر الشعراء والكتاب والخطباء، وهو ليس بالشاعر أو الكاتب أو الخطيب
وشاهد ذلك موجود: فهو يحكم بأن الشعراء لم يتأثروا بالقرآن، مع أنه لو نظر في كتب البلاغة وكتب الأدب لعرف أن تضمين آيات القرآن كان من الأغراض الملحوظة عند الشعراء، ولعرف أيضاً أن حفظ القرآن كان من الفرائض التي يتواصى بها الشعراء
لو درس أحمد أمين تاريخ الأدب لعرف أن في الشعراء من كان يقيد نفسه حتى يحفظ القرآن، ولعرف أن أبا إسحاق الصابي وهو على غير الملة الإسلامية كان يقرأ سوراً من القرآن قبل أن يسرع في النظم أو الانشاء، حتى صح القول بأن بلاغة القرآن كانت تجري على سنان قلم أبي إسحاق
ولما اتهم أبو تمام بأنه يشبه ممدوحة بأجلاف العرب ارتجل فقال:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلاً شروداً في الندى والياس
فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلاً من المشكاة والنبراس
وهذه البديهة تشهد بان أخيلة القرآن كانت تلاحق ذلك الذهن الفنان
واتفق مرة أن اعترض أحد الأدباء على الاستعارة في قول حبيب: