لا تسقني ماء الملام فإنني ... صب قد استعذبت ماء بكائي
وأرسل خادمه يقول: إن مولاي يرجوك أن تملأ هذه الكأس من ماء الملام! فقال حبيب: قل لمولاك يتفضل أولاً بإرسال ريشة من جناح الذل!
فهل هناك أبلغ من هذه الشواهد في الدلالة على أن الشعراء كانوا يتأثرون أشد التأثر بأخيلة القرآن؟
وهنا مسألة دقيقة قد ينتفع بها الأستاذ أحمد أمين، وهي مسألة لم تدرس قبل اليوم، وسيكون لها صدىً في البيئات التي تهتم بدراسة الشعر الجاهلي
وتلك المسألة هي تأثير القرآن في الشعر الجاهلي نفسه
ولكن كيف؟ إن هذا لو صح لكان من الغرائب. وهل يؤثر القرآن في الشعر الجاهلي مع أن الشعر الجاهلي أسبق؟
نعم، القرآن أثر في الشعر الجاهلي تأثيراً شديداً فقد وضعه في الغربال ولم يستبق منه غير ما كان بلغة قريش، وهي لغة القرآن
فالأشعار الجاهلية التي شرقت وغربت بعد الإسلام هي الأشعار التي تساير القرآن من الوجهة اللغوية والنحوية، بغض النظر عما أثر من الشذوذ القليل الذي احتاج إليه اللغويون والنحويون والصرفيون
وهذا (التوجيه) الذي صنعه القرآن كانت له يد في (توحيد) اللغة العربية. فلولا القرآن لظل الشعر الجاهلي مختلف الصيغ والأوزان والأشكال، ولكان باباً إلى (بلبلة) الذوق العربي باختلاف اللهجات والأذواق
فالقرآن هو الذي ساق العرب على اختلاف قبائلهم ومواطنهم ولهجاتهم في تيار واحد. وهو الذي جعل من الشعر الجاهلي سناداً لما فيه من ألفاظ وتعابير، بحيث لم يبق من ماضي الجاهلية غير ما أراد به القرآن أن يعيش
فلا تقل يا أحمد أمين أن الشعر الجاهلي قد استبد بالعقلية الإسلامية، ولكن قل إن الإسلام هو الذي استبد بالأشعار الجاهلية وصيرها من شواهد القرآن
وهناك مسألة أدق، وقد ينتفع بها من يؤرخون الأدب العربي، وهي سبق القرآن إلى غزو الأذواق والقلوب في البلاد التي فتحها المسلمون. فالمعروف عند المؤرخين أن الحياة