الدينية كانت تسبق الحياة الأدبية في كل بلد يدخله الإسلام، لأن الإسلام شريعة مدنية واجتماعية، قبل أن يكون شريعة أدبية وذوقية. فالفرس والهنود والمصريون والأندلسيون سمعوا القرآن قبل أن يسمعوا الشعر الجاهلي. وكذلك كان القرآن أسبق إلى تلوين ما صار عند تلك الأمم من شمائل وأذواق
وأحمد أمين صرح بأن الأدب يتأثر بالدين فكيف جاز عنده ألا يتأثر السلمون بأدب القرآن وهم يقرءون سوره في الصلوات ويتدارسونه صباح مساء؟
إن البيت الواحد من الشعر قد يؤثر في نقل الذوق من وضع إلى وضع، فكيف يجوز أن يحرم القرآن هذه المزية وهو يحمل مئات من الأخيلة والتعابير والمعاني؟
إن القرآن هو أساس ما عرف المسلمون من المذاهب التشريعية والفلسفية، وهو عندهم المرجع في الشواهد اللغوية والنحوية والبلاغية، فكيف يمر سحره القاهر بدون أن يؤثر في أذواقهم الأدبية؟
أليس من العجيب أن يقع هذا القول من أحمد أمين وهو يعرف أن وزارة المعارف المصرية توجب على معلم اللغة العربية أن يحفظ القرآن؟
إن كلية الآداب التي يتشرف بالانتساب إليها أحمد أمين قد اعترفت بخطر حفظ القرآن، ورضيت بألا يكون لخريجيها حظ في تدريس اللغة العربية بالمدارس الأميرية إلا إن كانوا في الأصل من طلبة الأزهر الشريف
فما معنى ذلك؟
أليس معناه أن الأمم الإسلامية قد توارثت الاعتقاد من جيل إلى جيل بأن القرآن له تأثير شديد في تكوين الذوق اللغوي والأدبي؟
ألم يسمع أحمد أمين بأن الأستاذ مكرم باشا حفظ القرآن ليروض لسانه وذوقه على الفصاحة العربية؟
ألم يسمع أحمد أمين بأن الدكتور يعقوب صروف كان يملك خمس نسخ من القرآن ليستطيع الأنس بالبلاغة القرآنية في كل وقت؟
ألم يسمع أحمد أمين بأن من المبشرين من عاش متنكراً في الأزهر بضع سنين ليتذوق بلاغة القرآن لكي يتسنى له أن يواجه الجماهير بلسان عربي مبين؟