من انتصح بنصائح مكيافلي وخير من حذقها ولو قد تأخر الزمن بهذا الرجل لأخذ عنهم مبادئه ولوجد في أساليبهم وخططهم أبلغ أمثلة كتابه
الحق أن هذا المكر كان يدق على فرسنيه وغير فرسنيه من أولي الخبرة والدهاء من الرجال؛ وما كان ليفطن إلى هذا إلا من يسيء الظن بإنجلترا فيكون مبعث فطنته سوء الظن لا حسن الفهم وبعد النظر، ونحن إنما نفطن إلى هذه السياسة بعد أن تكشفت وتعاقبت عليها السنون، ولقد فطن إليها فرسنيه ورجال حكومته وشعبه لا ريب يوم وقعت الواقعة وانفردت إنجلترا بضرب الإسكندرية غير حاسبة لأي شيء من حولها حساباً
وكانت إنجلترا تبغي من سياستها هذه أن تصرف الدول عن مصر فإن دعوة تلك الدول إلى مشاركتها في المظاهرة البحرية يظهرها بمظهر من لا غرض له إلا الصالح العام في حين أن انفرادها هي وفرنسا بالأمر يغضب الدول ويجعلها تميل إلى التدخل لتنال حظاً من الغنيمة في مصر أو في غير مصر يوم يقوم الحساب وتوزع الأسلاب
وفضلاً عن ذلك فقد كانت إنجلترا تحذر أشد الحذر أن تغضب السلطان فينحاز إلى عرابي وحزبه ضد توفيق فيظهر هؤلاء بمظهر المحافظين على حقوق السلطان صاحب الحق الشرعي ضد الخديو ومشايعيه من الطامعين، وهنالك فكل تهمة بالعصيان ضد عرابي أمام الشعب المصري إنما تذهب أدراج الرياح
ولقد فطن ماليت إلى خطورة هذا الأمر وكتب إلى حكومته ينذرها أن إغفال تركيا من شأنه أن يضم النواب إلى العسكريين فيقفوا جميعاً صفاً واحداً ضد أوربا أو على الأقل إنه يقوي جانب عرابي وأشياعه
وودت إنجلترا لو طاوعتها فرنسا فيما أشارت به، ولما وجدت إصرارها على استبعاد تركيا والدول جميعاً لم تر بداً من أن ترسل إلى الدول قراراً ينفي أي نية في احتلال مصر ويؤكد أن إنجلترا لم ترد بالمظاهرة البحرية إلا إقرار السلام داخل مصر وأنها سوف تترك مصر وشأنها إذا قضي على ما فيها من القلاقل؛ وإذا لم تنجح تلك الوسائل السلمية فسوف تتفق إنجلترا والدول على ما تراه هي وفرنسا خير سياسة تتبع
وتحدث اللورد دوفرين سفير إنجلترا بالآستانة إلى وزير الخارجية العثماني في لهجة شديدة قائلاً: إنه إذا لم تعمل تركيا ما من شأنه أن يسهل على إنجلترا خطتها فسوف تزيد إنجلترا