بالمعصية إنما صدر من الجسد بواسطة الروح فيجب أن يكون العقاب والثواب لهما وأن كلاً منهما محتاج لصاحبه، لولا الروح لكان القالب خشباً مسندة، ولولا القالب لما كان روح. فكل راض فاعل وعامل من وجه فيكون الخطاب والثواب والعقاب لهما جميعاً، حتى قال ابن عباس رضي الله عنه: لم تزل الخصومة قائمة إلى يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد فيقول الجسد: أي رب خلقتني كالجثة ولم تجعل لي يداً أبطش بها ولا رجلاً أمشي بها ولا عيناً أبصر بها حتى دخل هذا علي كالشهاب، فيه نطق لساني وسمعت أذني وأبصرت عيني وبطشت يدي، فأحل عليه العذاب ونجني من النار. فتقول الروح: يا رب خلقتني كالريح ولم تجعل لي يداً ورجلاً وعيناً وسمعاً فلم أتحرك إلا بحركته ولم أسكن إلا بسكونه، فما ذنبي وما جرمي يا رب؟ أحل عليه العذاب ونجني. قال: فيضرب الله تعالى لهما مثلاً كالأعمى والمقعد يصطحبان، أما الأعمى فلا يبصر، والمقعد لا يقدر على المشي، فبلغا إلى بستان فجلسا وتشاورا وطلبا حيلة، فقال الأعمى: أنا لا أبصر فمر أنت وأت بالعنب، وقال المقعد: بل مر أنت فإني لا أقدر على المشي، ثم تناظرا وتناصفا وقالا: هذا أمر لا يتم بأمر دون الآخر، يا أعمى قم أنت فارفعني حتى أتسلق الحائط وأقطف العنب. فلما توافقا قطعا العنب وأكلاه. وقال المقعد: لولا أنت يا أعمى لما أكلت. وقال الأعمى: لولا أنت يا مقعد لما أكلت. ونحن لم ننكر تمتع الروح والجسد فقد قلنا في كلمتنا الأولى في العدد ٣١٥:(إن الإسلام دين روحانيات ومعنويات، وأن ليس معنى هذا أنه لا يعنى بالحسيات والماديات، بل هو يعنى بها وبتنظيمها التنظيم الذي يتصل بأن يرقى بالإنسان إلى الروحانيات. . . وأنه إن أراد ببعضها اللذة الحسية، فإنه لا يريدها حقيرة متواضعة، كما هي في دنيانا، بل يريدها عزيزة تتصل أكبر مما تتصل بالروحانيات والمعنويات)، فالذي يحتمل الجدال ليس ذكر أن النعيم سيلحق الجسم والروح أم لا لأنا أجمعنا على ذلك، بل هل أغلب اللذات سيكون حسياً أم روحياً؟ أو بمعنى آخر هل تغليب اللذة سيصف لذات الجنة بأنها روحية أم بأنها حسية؟
على أنه يطربني أن أرى أستاذنا الدكتور زكي مبارك ينزع نزعة روحية من غير أن يشعر، إذ يقول في كلمته في العدد ٣١٦:(سيكون في المؤمنين من يكون نعيمهم برضوان الله أطيب بنعيمهم بما في الجنة من ثمرات وطيبات) وإن كنت لا أفهم كيف يرى عدم