للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن حقنا أن نقول: إن أحمد أمين ينسج على منوال طه حسين في نكران الحقائق

وليس لأحد أن يعترض بأن المنوال لا تراه العيون إلا في قليل من الأحايين، لأننا حين نعبر بمثل هذه العبارة لا نفكر في ثوب ولا منوال، وإنما نسوق التعبير حيث وقع في كلام الأسلاف ونفهم المراد منه بلا عناء

وفي اللغة العربي تعابير لا نكاد نفهم الغرض منها بالتحديد، ولكنها في غاية من الانسياغ

ومن شواهد ذلك ما وقع بين الأستاذ سعد اللبان والدكتور هيكل باشا في مجلس النواب. فقد هجم الأستاذ سعد اللبان على إحدى كليات الجامعة المصرية هجوماً عنيفاً، فقال الدكتور هيكل باشا: هذا كلام يلقى على عواهنه!

ومن المؤكد أن أكثر النواب لم يفهموا المراد بالعواهن، ولكن هذه العبارة وقعت منهم موقع القبول، لأنها خير عبارة تقال في ذلك المقام الدقيق، وهي على عنفها لا تجرح الذوق

واعترض الأستاذ أحمد أمين على قولهم: (فلان يعرف من أين تؤكل الكتف) وعدها عبارة بدوية لا يجوز لحضري أن يدونها في مقال أو ينطق بها في حديث

والظاهر أن الأستاذ أحمد أمين يظن أن أهل الحضر لا يأكلون الحُملان إلا مقطعة بأيدي القصابين فهو لذلك يتوهم أنهم لا يحتاجون إلى الاحتراس عند أكل الكتف

فليعرف (إن شاء) أن الناس لا يزالون يدركون هذه العبارة في أصلها الأصيل، وقد رأيت الرجل البدوي الحضري عبد الستار بك الباسل يداعب أحد ضيوفه بتسليط تيار الكتف عليه، وهو تيار قد يسلَّط مرة على الأستاذ أحمد أمين فيعرف من أين تؤكل الكتف!

من حق أحمد أمين أن يرى الناس جميعاً مقلدين في الأخيلة والتعابير، لأنه من أبعد الناس عن مواجهة الحياة، وأكاد أجزم بأنه لا يساير الحياة الأدبية والفنية والاجتماعية إلا عن طريق القراءة أو السماع، وإلا فمن الذي رآه مرة يشهد رواية سينمائية أو يشهد حفلة من حفلات التمثيل؟

وأعيذكم أن تظنوا أني أتجنى على الأستاذ أحمد أمين، فهذا الرجل على فضله قليل الخبرة بألوان الوجود، وقد تقع منه أحياناً عبارات تضحك الحزين. أليس هو الذي يقترح أن (نميت العَرار ونحيي الزنبق، ونميت الكمأة ونحيي ألمانجو، ونميت القوس ونحيي القنابل، ونميت اُلخرثي ونحيي ما يدل على الموبليا)؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>