للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطبيعة في هذه الحال هو قانون (الستر) ما دام الناس لا يريدون أن يعلم غير الله من أين يأكلون ويشربون. و (الستر)، و (التستر)، و (الستائر) جميعاً تخفي وراءها ما لا يعلمه أيضاً إلا الله. وقد يعلم الناس منه الكذب والغش.

وأهل القاهرة يسترون هذا التلوث الخلقي لأنهم يسترون كل شيء، حتى أنفسهم يسترونها عن عيونهم.

فالكذب إذا حدث في الإسكندرية حاربه أهلها، وإذا كان في القاهرة حاباه أهلها. وهكذا يسري الكذب في القاهرة حتى يتغلغل في حياتها إلى أن يركب الفن. . . الفن العطية من الله. إذا ادعاها في الإسكندرية مدع قتلته الإسكندرية، فإذا ادعاها في القاهرة مدع سترته القاهرة

وقد يصبر أهل الإسكندرية على مدع في غير الفن، ولكن هذا الذي يتلف عليهم الوقت الذي يطلبون فيه متعتهم الروحية التي يشترونها بدمائهم ويكدحون طول النهار لها، هذا المدعي يضربه أهل الإسكندرية ضرباً بالأيدي وبالأرجل وبالكراسي وبالزجاجات الفارغة وهم يصيحون: (هاتوا فلوسنا)!

ومع هذا العنف في طلب الحق فإن في أهل الإسكندرية عيباً عجيباً هو أنهم يلينون لكل ما يجيء من القاهرة سواء أكان فناً أم غير فن، لا يفتحون عيونهم عليه، ولا يحاولون التفرس فيه وانتقاده، لا لشيء إلا أنه من العاصمة وأنهم لا يظنون بالعاصمة إلا خيراً، فلا يمكن أن يتصوروها أقل منهم فراسة وصدق نظر! وإلا فلماذا كانت القاهرة العاصمة؟ ليس من شك في أن الله جزى القاهرة ستراً بستر، إذ خيل لأهل الإسكندرية أنها ما استحقت أن تكون العاصمة إلا لأنها جديرة بأن تكونها. . ولولا هذه العقيدة لزحفت الإسكندرية على القاهرة. . .

صحيح! هذا هو إحساس الإسكندرية وتفكيرها، فهذه الثقة المتعامية بالقاهرة هي وحدها التي تروج بضائعها في الإسكندرية ومنها الفن. فإن لم يكن هذا فكيف ذاق سيد درويش الويل في الإسكندرية حتى اعترفت به، وكيف هللت الإسكندرية وكبرت للأستاذ عبد اللطيف ألبنا عندما استجلبه لها متعهدو الحفلات من القاهرة؟. . . القاهرة العاصمة!

والفن عند أهل الإسكندرية قد يسرع إلى أن يكون حرفة لأنه موهبة، والمواهب عند

<<  <  ج:
ص:  >  >>