وأما الاستكشاف الثاني، فهو أنه من الممكن صنع طبق بوضع طبقات من هذا الصلصال بعضها فوق بعض، وتركها في الشمس حتى تتجمد.
وقد كان صنع الأطباق في لحظة عظيمة حقاً من حياة الناس ولو أنهم لم يدركوا ذلك في البداية، فإن الإناء الذي توضع فيه المياه فيحتفظ بشكله عند وضعه فوق النار، أو عند دفنه في حفرة ساخنة هو الوسيلة الوحيدة لجعل الطبخ الحقيقي في حيز الإمكان. ولم يبق بعد اختراعه من ضرورة لإنضاج اللحم بتعليقه على عصا فوق النار، ولا تجفيفه بإحراقه في فرن، ولم تبق من ضرورة كذلك لطحن الحبوب، وصنع حبات (بلابيع) منها ليسهل ابتلاعها. إن سحر النار قد أمكن الانتفاع به في تهيئة الطعام، لما أصبح من الممكن صنع طبق أو وعاء يوضع الطعام فيه على النار فلا يحترق.
وأما الاستكشاف الثالث، فالأرجح أنه معرفة المرء إمكان استخراج مادة أصلب وأمتن من الصلصال بإضافة الرمل أو مادة أخرى إليه، فبينا يصلح الصلصال وحده لصنع الأطباق، فهو يصلح مخلوطاً لما هو أهم من ذلك، يصلح لصنع الطوب الذي تبنى به المنازل. . . وهل تذكر أنك قرأت في قصة موسى شكوى الشعب اليهودي من أنه لا يستطيع صنع الطوب خالياً من القش؟
إن القش يؤدي في توثيق الطوب ما تؤديه الرمال، ففي مصر وفي المكسيك وفي الأجزاء الجنوبية من الولايات المتحدة وفي كل المناطق الحارة التي يكثر فيها الصلصال تبنى الأكواخ من الطوب النيئ أي الذي تجففه الشمس
وقد كان أول ما صنع الطوب جديراً بالملاحظة والاهتمام في حياة الإنسان. وذلك لأنه جعل في حيز الإمكان بناء بيوت يسكنها
وبعد أن شاع استعمال النار حدث بطريق المصادفة أن طبقاً سيئ الصنع أو قطعة من الطوب قد ترك أو تركت بالقرب من النار، فوجد في اليوم التالي أصلب وأمتن من الصلصال الذي يجفف في الشمس
وجد قوياً صلباً كأنه قطعة من الصخر فلا يمتص الماء ولا الضغط يستلينه، فكان صنع الصلصال على النار هو الاستكشاف الرابع في تاريخ الفخار. وقد مضى زمن طويل قبل