بعض الأقطار بصورة مستقلة عن تأثير السلطات السياسية، وذلك على أيدي دعاة من التجار والشيوخ والدراويش، فالعالم الإسلامي بحدوده الواسعة الحالية، لم يكون وحدة سياسية، في وقت من الأوقات
فالوحدة السياسية التي لم تحقق في القرون الماضية - في عهود بساطة الحياة الاجتماعية وسذاجة العلائق السياسية، وفي أدوار سيطرة التقاليد الدينية على كل ناحية من نواحي الأعمال والأفكار ليس من الممكن أن تحقق في هذا القرن بعد أن تعقدت الحياة الاجتماعية وأعضلت المشاكل السياسية وخرجت العلوم والصناعات عن سيطرة التقاليد والمعتقدات
٤ - إنني أعرف أن ما قررته هنا لا يروق الكثيرين من علماء الإسلام. أعرف أن الدلائل التاريخية التي ذكرتها آنفاً لا تستطيع أن تؤثر على معتقد الكثيرين من رجال الدين. وذلك لأنهم قد تعودوا التكلم في هذه المسائل دون تذكر الحقائق التاريخية وملاحظة الخرائط الجغرافية، كما أنهم لم يألفوا التمييز بين مدلول (الأخوة الدينية) ومدلول (الرابطة السياسية) بل إنهم نشأوا على المزج بين مبدأ الأخوة الإسلامية بمعناها الأخلاقي، وبين فكرة الوحدة الإسلامية بمعناها السياسي
أنا لا أرى حاجة للسعي وراء إقناع هؤلاء بخطأ اعتقادهم في هذا الأمر، غير أني أرى من الضروري أن أطلب إليهم ألا ينسوا مقتضيات العقل والمنطق في هذا السبيل. لهم أن يحافظوا على اعتقادهم في إمكان تحقيق الوحدة الإسلامية، ولو في مستقبل بعيد، غير أنهم عليهم كذلك أن يسلموا في الوقت نفسه بضرورة السعي إلى الوحدة العربية على الأقل، كمرحلة من مراحل تحقيق الوحدة الإسلامية التي يعتقدون بها. عليهم - في كل حال - ألا يعارضوا المساعي التي تبذل في سبيل تحقيق الوحدة العربية، بحجة خدمة الوحدة الإسلامية التي يدعون إليها
فإني أكرر هنا ما كتبته آنفاً (أن من يعارض الوحدة العربية بحجة الوحدة الإسلامية يكون قد خالف أبسط مقتضيات العقل والمنطق مخالفة صريحة) وأقول بلا تردد إن مخالفة المنطق إلى هذا الحد، لا يمكن أن تتأتى إلا من الخداع أو الانخداع:
خداع بعض الشعوبيين الذين لا يرتاحون إلى نهوض الأمة العربية فيسعون إلى تهييج الشعور الديني ضد فكرة الوحدة العربية