الله عليه ورضاه كان شاعراً. . . لأنهم كانوا يسمعونه يقول كلاماً لا يشبه كلام الناس، وفيه ملامح من كلام الشعراء، هي هذا البعد عن مادة الأرض المعتمة العمياء، وهي هذا النور الذي أهداه الله إليه من نور السماء. . . وما كان محمد شاعراً، وما كان الشعر ليتسامى إلى درجة ما أفاض به على الناس، وما كان كلامه فناً من فنون الأرض، وإنما هو أرفع ما أتاحه الله لإنسان من علم حق ومن حكمة خالدة تنسحب إلى أبعد الأزل، وتنطلق إلى أبعد الأبد سبحان من أوحاه! وسبحان من جاد على البشر بفنه. . . هو الله!. . .
لم يكن محمد شاعراً، فالشاعر كما رأيناه يتراوح بين حياة الأرض وحياة السماء، ويتذبذب بين طبيعة المادة وطبيعة الروح، ولا يقر له قرار إلا بين الناس، ولا يغيب عنهم إلا لمحات قصيرة عابرة لا يطيق استدامتها، لضعفه ولشعوره بالحاجة البدنية إلى ما في الأرض من راحة. . . أما محمد، وأمثال محمد من الأنبياء فإنهم قد اشتروا الآخرة بالدنيا، وليس لهم في الدنيا مطمع، فقد أحاطوا بما فيها علماً، وهم يتجهون بعد ذلك بأطماعهم إلى ما وراء هذه الحياة. . . وهم مؤمنون بأن هناك شيئاً بعد هذه الحياة، لأنه قد كان هناك شيء قبل هذه الحياة، وليس في هذا الطور ما يدل على أنه الحلقة الأخيرة من حلقات التطور والارتقاء. . .
وهنا قد يسائلنا سائل: كيف قال محمد إنه خاتم الأنبياء والمرسلين، ومادامت طبيعة الحياة قد استدعت بعث الرسل والأنبياء فيما مضى، ومادامت بريئة مما يدل على أنها قد كفَّت عن نهجها والتوت إلى نهج جديد؟
وجوابنا على هذا أن محمداً صلى الله عليه وسلم وضع أمام عيون الناس القواعد الخالدة لهذه الحياة. . . القواعد التي تتغير الدنيا ولا تتغير هي، والتي تتطور الحياة وترتقي وتمتنع هي على التطور والارتقاء لأنها نهاية النهايات، ولأنها الحقائق الثابتة التي يقوم عليها التغيير والتبديل، ولأنها المحاور التي يدور حولها التطور والارتقاء.
فلقد جاء في دين محمد أن الإسلام هو دين الفطرة، فإذا عرفنا علام نحن مفطورون فسايرنا فطرتنا فإننا مسلمون. وهذا مبدأ لا يمكن أن يزول وإنما يتحطم كل من يناوئه ويعصيه. . . وإن من فطرتنا أن نتطور وأن نرقى. وقد جاء في دين محمد بين آيات القرآن (أحلت لكم الطيبات وحرمت عليكم الخبائث) فإذا عرفنا ما هي الطيبات التي تنفعنا، وما هي