(وأعلم أنه لا يجوز في الرسائل ما أتى في آي القرآن من الإيصال والحذف، ومخاطبة الخاص بالعام، والعام بالخاص، لأن الله سبحانه وتعالى إنما خاطب بالقرآن أقواماً فصحاء فهموا عنه جل ثناؤه أمره ونهيه. والرسائل إنما يخاطب بها قوم دخلاء على اللغة لا علم لهم بلسان العرب. وكذلك ينبغي للكاتب أن يتجنب اللفظ المشترك والمعنى الملتبس، فأنه إن ذهب على مثل قوله تعالى (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي اقبلنا فيها) وقوله تعالى (بل مكر الليل والنهار) احتاج أن يبين أن معناه (اسأل أهل القرية وأهل العير) و (بل مكركم بالليل والنهار) ومثله في القرآن كثير)
فما معنى هذا الكلام؟
معناه أن العرب فهموا أن القرآن وهو عندهم تنزيل من حكيم حميد راعى عقلية العصر الذي نزل فيه فخاطب الناس بما يفهمون، وأنه حين يتغير الناس بتغير الزمان لا يجب أن نخاطبهم بالأسلوب الذي استجازه القرآن، لأنه نزل على قوم يدركون الحذف والإيصال ومخاطبة الخاص بالعام، والعام بالخاص
فهل يعقل أن يكون الأدب الجاهلي أقدس عندهم من القرآن؟
وهل يجوز اتهام العقلية العربية بالجمود والخمود لتصح أوهام أحمد أمين؟
أنا أتحدى أي باحث أن يثبت أن العرب لم يدركوا ما يوجبه اختلاف الزمان والمكان في تلوين الصور والأفكار والأساليب
أتحدى أي باحث أن يقيم الدليل على أن العرب التزموا محاكاة التعابير القرآنية والنبوية
وكيف فات أحمد أمين أن العرب لم يلتزموا وحدة الوزن والقافية على نحو ما التزم الجاهليون؟
ألم تصل إليه أخبار التجديد والتنويع في القوافي والأوزان عند أهل المشرق وأهل المغرب؟
ألم تصل إليه أخبار الموشحات والأزجال؟
ألم يسمع بما دخل في الشعر العربي من الأخيلة الفارسية والمصرية والأندلسية؟
ألم يحدثه أحد بأن الذوق الأدبي عند مهبار الديلمي يخالف الذوق الأدبي عند الشريف الرضي؟