ألم يعلم بأن عمارة اليمني له مذاهب في القول تخالف مذاهب ابن حمديس؟
ألم يقرأ ما كتب أبو الحسن الجرجاني في اختلاف الأذواق باختلاف الوجوه والطباع؟
ألم تحدثه كتب الفقه بأن الشافعي تغيرت حاسته التشريعية بالتردد بين الحجاز ومصر والعراق؟
ألم يسمع بأن علماء البلاغة في مصر لهم مسالك تخالف مسالك أمثالهم في فارس؟
ألم يصل إليه القول بأن كتاب الإحياء له ألوان مختلفات بسبب تنقل المؤلف من أرض إلى أرض؟
ألم يشهد تطور الأسلوب عند ابن عربي في الفتوحات المكية بسبب اختلاف موطن التأليف؟
ألم يعرف بأن شعراء اليتيمة تختلف أذواقهم باختلاف البلاد؟
ألم يدرك أن أشعار البهازير لها مذاق غير مذاق أشعار أبن زيدون؟ ألم يلمس الخشونة والنعومة في تردد ابن الجهم بين البادية وبغداد؟
وهل بقي أحمد أمين على حال واحد حتى يبقى الناس جميعاً على حال واحد؟
إن أحمد أمين القاضي الشرعي كانت له مسالك في الحكم على الأشياء تخالف مسالك احمد أمين الأستاذ في كلية الآداب
فكيف يقال إن الشاعر الذي يعيش في الأندلس أو في فارس لا يزال خاضعاً لأذواق أسلافه القدماء في الحجاز أو العراق؟
إن أذواق أهل العلم في البلد الواحد تختلف باختلاف المعهد الذي يتخرجون فيه، مع وحدة الزمان، ومع تقارب المشارب والميول. فالمتخرج في الأزهر غير المتخرج في دار العلوم وغير المتخرج في كلية الآداب. وقد كان مفهوماً عند أهل مصر أن المتخرج في الأزهر غير المتخرج في الجامع الأحمدي مع التقارب الشديد فيما يلقى هنا هناك من المعارف العقلية والنقلية. وأهل فرنسا يفهمون أن المتخرج في جامعة باريس غير المتخرج في جامعة ليون
وإنما كان الأمر كذلك لأن اختلاف المكان يؤثر في الأذواق حتى صح القول بأن الأدب الإنجليزي في إنجلترا يبعد بعض البعد أو كل البعد عن الأدب الإنجليزي في أمريكا.