منهجه، واهتم العلم بالسيطرة على ظواهرها أملاً في استغلال مواردها، واتقاء شرورها، وملأ الحياة الإنسانية بالخير والهناءة.
وقد تساءل (كامبانيلا) - معاصر (بيكون) - في مجتمعه المثالي عن موقف الإنسان الجديد من الرقيق، وانتهي إلى القول بأن مخترعات العلم الحديث ستوفر للناس وقتهم، وتغنيهم عن الرقيق والعبيد، وتجعلهم سادة للطبيعة، وتملأ حياتهم بالسعادة. . .
تلك هي النزعة التي شاعت في أوربا أواخر عصر النهضة، وهي قائمة على الأمل الباسم في قدرة العلم على تحقيق السعادة للناس. وقد مكن لهذه النزعة بيكون في مستهل القرن السابع عشر، ودفعها إلى العصور الحديثة، فانطلقت أبانها تسعى حثيثة حتى خابت في العلم آمال الناس، وتحرر العلماء من ذل الأغراض - على نحو ما عرفنا في مقالنا السالف -
والآن بعد أن قطع العلم هذه المراحل الطويلة في تحقيق الغاية التي كان يرجوها (بيكون) وأشياعه، نرى من حقنا - وقد اندلعت نار الحرب وراح العلم يقدم لها الوقود - أن نتساءل عن مدى ما حققه العلم من الكمال، ومبلغ ما أسبغه على الناس من نعم. وليس هذا السؤال بجديد في تاريخ الفكر، فكثيراً ما تردد في أبحاث الأدباء والفلاسفة، واختلفت في الإجابة عليه وجهات النظر. ولقد ذهب بعض الذين تناولوا بالبحث هذا الموضوع إلى الطعن في العلم وما يترتب عليه من ألوان الحضارة والمدنية، والدعوة إلى العيش على مقتضى الإلهام الطبيعي البسيط، وقد نادى بهذه النزعة في القرن الثامن عشر (جان جاك روسو)، ولم يقصر هجومه على العلوم الطبيعية وحدها، وإنما تجاوز آفاقها إلى الطعن في العلم بأوسع معانيه، فشملت غارته الآداب والفنون كذلك، فلنعرض - في إيجاز - حلمه الذي كان يرى فيه تحقيقاً لسعادة الناس، وسنرى بين آرائه وآراء (بيكون) هوة سحيقة القرار:
٤ - السعادة عند روسو:
مات لويس الرابع عشر فماتت معه الملكية المستبدة القادرة في فرنسا، واستأسد من كان بالأمس ذئباً، فاسترد الأشراف نفوذهم، واستعاد الكتاب والشعراء حريتهم، وتأهبوا لتحطيم الإيمان الديني الذي جاهد أسلافهم لتدعيمه زلفى إلى الملك الديّن المستبد. وشاعت اللادينية في فرنسا، وكانت تعاني من حروب انقضت ظهرها، وفاقة أحرجت صدرها، وترف يهد