السامة والقنابل المحرقة والمدافع المدمرة والغواصات المغرقة، وسائر وسائل التدمير والتخريب، مما يسمع الناس صدى التهديد به في أيامنا الراهنة، فتنهد قواهم وتنهك أعصابهم وهم بعيدون في غمرة القتال، والظاهر أن (بيكون) لم يقدر هذه النتيجة الرهيبة، فقد جعل من مظاهر التقدم في مجتمعه المثالي، أن يتجنب الحروب ويتقي شرورها، وذلك بألا ينتج إلا ما يستهلكه، ولا يستهلك إلا ما ينتجه. .!
على أن هذه النتيجة التي انتهينا إليها من النظر في الأثر الذي يترتب على الدعوة إلى تقدم العلم، قد رد عليها دعاته فقالوا إن العلم الذي اخترع ما استغله البعض في غير صالح الإنسان، هو نفسه الذي اخترع ما يقي الإنسان هذا الشر الطارئ. اخترع الغازات السامة وقدم للناس الأقنعة الواقية. اخترع الطائرات الحربية بقنابلها المحرقة وأعد المدافع المضادة لمقاومتها. وكلما أظهر للمجتمع خطراً جديداً تولى وحده مقاومته ووقاية الناس من ضرره. . .
ولكن أصحيح أن المجتمع الإنساني قد أمن بهذا شر المخترعات الحديثة؟ أصحيح أن الناس الآمنين في بيوتهم لن تصيبهم الغازات الجوية بعد اليوم بسوء؟ ذلك ما تجيب عنه وحشية الحروب في وقتنا الحاضر؛ على أنا نقول إنصافاً للعلم وأهله إن ما نتصوره ضاراً بالمجتمع الإنساني قد يكون كبير النفع من جوانب أخرى، وما نراه في الحروب عدواناً وحشياً ذميماً فيه قضاء على النفوس البريئة والأموال الطائلة وحضارة الأجيال الماضية، قد يعتبر شراً لا بد منه تقضي به حياتنا ومثلنا العليا. ومن المفكرين الذين درسوا المجتمع في تطوره إلى الكمال وانحداره إلى الاضمحلال من اعتبر الحرب نعمة والسلام الدائم نكبة على أصحابه. ثم إن عدوان القوي على الضعيف عند بعض المفكرين حتى تبيحه القوة أو يبرره التفاوت في المدنية، وذلك بالإضافة إلى أن القتال في أصله غريزة لم يلدها العلم وإنما اقتصر على تغذية نارها، فإن كان أثر العلم في وحشية الحروب سيئة عند بعض القراء فهو حسنة عند غيرهم من المفكرين، لأنه يعجل بنهاية الحرب وينقذ الناس من شر أنبائها، بالإضافة إلى الميزات التي يكسبها الناس من وراء الحروب. . .
على أن من التجني أن يحمل العلم تبعة هذه الاتهامات التي عرضه لها بيكون يوم ربطه بصالح الإنسان، فقد ألقى العلم عن عاتقه هذه التبعة الخطيرة يوم حرر نفسه من ذل