ويجلس الساسة في فينا بعد واترلو يتحكمون في مصير الضعفاء ويقضون قضاءهم في إيطاليا كما قضوا في غيرها، فإذا سلطان النمسا يفرض على ولايتها وتضم جنوة إلى بيدمنت، وقد طالما مناها الساسة بالاستقلال، وتعود إلى البابا ولاياته وسلطته، وتقادم في نابلي مملكة تخضع للبربون، ويتفق ملكها سراً مع زعيم الرجعية العتيد في ذلك العصر مترنيخ على ألا يمنح شعبه دستوراً إلا بإذن من النمسا. وهكذا يفلح ذلك السياسي الماكر في تقسيم إيطاليا وتفريق كلمتها حتى ليحق عليها قوله:(إن إيطاليا ليست سوى اسم جغرافي).
وتخيم الرجعية على إيطاليا جميعاً وتطارد الحرية الشريدة أينما ظهر هيكلها المكدود أو لاح علمها الممزق؛ وينتقل الصبي من طور الخيال الغالب إلى طور العقل المتيقظ في مثل ذلك الجو البغيض
ولن يملل الصبي القراءة في تناول أعداداً قديمة من صحيفة الجيروند كان قد دسها أبوه بين كتبه الطبية مخافة الرقباء، وينهل ما شاء من معين عذب يروى غليل نفسه ويبهج روحه ويثبت فؤاده؛ ويحرم عليه وعلى التلاميذ الكتب التي تخشى الحكومة منها فلا يعطون إلا الكتب الكلاسيكية ليكون لهم فيها ما يبعدهم عن الآراء الثورية، ولكنهم يقرئون تاريخ الإغريق والرومان فيعجبون بالنظام الجمهوري ويطربون لما تقع عليه أعينهم من مبادئ الديمقراطية
ويستشرف الفتى للسادسة عشرة من عمره فتهز نفسه من أعماقها أنباء تتناقلها الألسن عما انبعث من الرجفات في أنحاء إيطاليا، فإن الناس حين ضاقوا بحالهم لم يجدوا بداً من تكوين الجماعات السرية وكان من اشهر هذه الجماعات جماعة الكاربوناري، وما زالت هذه الجماعة تنمو وتنتشر حتى كان لها أنصارها في أكثر الولايات! وكان لهذه الجماعة بحكم تكوينها رموز يعرفها أعضاؤها، فاسمها معناه (موقدو الفحم)، ومن مبادئها (طرد الذئاب من الغابات) ولعلهم يريدون طرد الحكام الأجانب من البلاد. على أن غاية الجماعة كانت تنحصر في القضاء على الاستبداد وإحلال الحكم الدستوري محله
وما حل عام ١٨٢٠ حتى هبت الثورة في نابلي، وقد جاءت الأنباء إلى الكاربوناي هناك عن ثورة في أسبانيا؛ وأسقط في يد الملك فأجاب شعبه إلى الدستور؛ وحذا الكاربوناري في