- وأما تحدي أدهم في القول فيدخل تحته ما بدا له أن يكتب في جانب اللغة. ووالله ما أدرى ما الذي استدرج الرجل إلى اقتحام النقد اللغوي، وهو لا يزال يأخذ لغتنا عنا كما يقول (الرسالة ٣١٣ ص ٣٣١)، وهو يريد الاعتذار من اقتباس تعبيرات لي:(إنني حين أكتب بالعربية فأنا أكتب بلغة غير لغتي الأصلية، ومن هنا بعض ما يجئ على قلمي من التعابير الخاصة لكتاب اليوم استداركاً للمعنى الذي في ذهني). هذا ولا شك عندي أن القارئ لمس ارتباك أسلوب أدهم وركاكة عبارته واختلال مواقع ألفاظه، وكثيراً ما قوّمت تعبيره، وأنا أناظره حتى يفهمه القارئ. وهيهات أن أجادل أدهم فيما جاء به في نقده الثاني دفاعاً عن آرائه اللغوية الأولى. فقد نصحت له من قبل أن يقرأ النوع السابع والعشرين من (المزهر) للسيوطي حتى يتبين معنى (المترادف)، ونصحت له فوق ذلك أن يراجع دواوين اللغة والمؤلفات الفلسفية في العربية والفرنسية جميعاً لعله يعلم أن (الأخلاقيات): بمعنى شيء و (السلوك) شيء آخر. ماذا أصنع وأنا لا أملك إلا النصيحة؟
وحسبي اليوم أن أبرز للقارئ جانبين من نقد أدهم الثاني في باب اللغة، قال أدهم (الرسالة ٣٢٦ ص ١٩٢٤) - وهو على كل قول قدير - (وليس جعلنا (يعني نفسه) لفظة المتشابهة ناظرة إلى أفرنجياً بدليل (أضف: على) قصور في العلم باللغة. لأن المتشابهة والمتباينة (كذا والله!) من الألفاظ التي تنظر إلى أهـ. هذا وأنت تعلم أن لفظة تفيد مفاد كلمة (المترادف) عندنا. فالله كيف تكون الألفاظ المتشابهة والمتباينة ناظرة معاً إلى المترادفة، وبين المتشابه والمتباين ما بين الأبيض والأسود؟ - ثم قال أدهم (الرسالة ٣٢٦ ص ١٩٩٦): (أما عن مجيء هذه الروايات (الخاصة بالمروءة) من الجاهلية أو عدم مجيئها، فلا يؤثر على (يريد: في) القضية في شيء، لأن جلّها أتى من صدر الإسلام، والعربية لم تتغاير (يريد: تتغَّير؛ قد والله سئمت تهذيب أسلوب الرجل!) فلا معنى للاحتجاج بأنها ليست (يعني الروايات) من الجاهلية، وإذن يبقى معنا لفظة المروءة نازعة منزع السيادة في الجاهلية وصدر الإسلام، بعكس ما حاول أن يوهم القارئ بطرق ملتوية الدكتور بشر في مباحثه العربية) أهـ. فهل للأستاذ الدكتور أدهم أن يراجع في (الصاحبي) لابن فارس باباً لطيفاً قريب المنال عنوانه (الأسباب الإسلامية) ليتبين له أن العربية اتفق لها أن (تتغاير) كما يقول، بانتقال أهلها من الجاهلية إلى الإسلام إذ (حالت أحوال، وأبطلت أمور،