وكانت الحكومة بعد ثورات سنة ١٨٢٠ قد شددت الرقابة على الكتب فلا تسمح بنشر ما يدعو إلى المبادئ الثورية منها أو ما توحي قراءته بتلك المبادئ؛ وكذلك شددت الحكومة الوثاق على الصحف الأجنبية فلا تأذن بدخول البلاد إلا لما لا تخشى من دخوله. من أجل ذلك عولت تلك الجماعة على تلمس السبل لتهريب الكتب والصحف المحرمة، ولقد نجحت في ذلك نجاحاً مرضياً
وأقبل مازيني على كتب الأدب فراح يعيش مع شكسبير وجوته وبيرون وشلر، وكان قد قرأ قبل هؤلاء دانتي وأعجب به أيما إعجاب حتى لقد صار له المكان الأسمى في قلبه
كان مازيني يرى رسالة الأدب على العموم والشعر على الخصوص السمو بالنفوس وتطهيرها، وبث الأمل فيها وتقويتها وشحذ العزائم واستنهاض الهمم، وإيجاد روح المحبة والمودة بين الناس، وكان يرى أن الشاعر الحق هو الذي يجمع بين الشعر والحكمة فيطرب النفوس ويطير بها إلى الجواء العليا ثم يملأها بمعاني الفضيلة ويستحثها على الجهاد والعمل؛ أما الاقتصار على التغني والوصف دون أن يكون من وراء ذلك غاية من فضيلة أو عمل فذلك عنده ضرب من النقص
وقرأ مازيني فيما قرأ الفلسفة فدرس هيجل وكانت وفخت وهردر، وصاحب روسو وفلتير فترة من الزمن، ورجع إلى ماكيافيلي وكان عنده في السياسة كدانتي في الأدب إذ كان كلاهما إيطالياً وطنياً وإذ كان نبوغ كل منهما يدل على إيطاليا جديرة بأن تخرج النوابغ الأفذاذ
وكان في إيطاليا يومئذ نزاع بين أنصار الأدب الابتداعي (الرومانتيكي) وأنصار الأدب الأتباعي (الكلاسيكي)؛ فكان من الطبيعي أن يشايع مازيني الفريق الأول، فينتصر لأدب الحرية والابتكار الذي يتحرر من القيود ويجرف السدود، وكم كان لذلك معجباً بشاعر إنجلترا العظيم اللورد بيرون، ذلك الذي كان يصل شعره إلى أعماق نفسه لما كان فيه من تمرد وتوثب ولما كان يوحي به من معاني العزم والجهاد والتغلب على الشدائد؛ وكان اسم بيرون يومئذ يدوي في أنحاء أوربا حتى لقد باتت كتبه فتنة كل شاب في كل لغة
وكان مازيني يقول إنه لن يتحقق لإيطاليا من جديد كيان سياسي اجتماعي إلا إذا تحقق لها أدب يدعو إلى الحرية والتقدم. ومما ذكره في هذا الصدد قوله: (إن تشريع وآداب أية أمة