يسيران أبداً في خطين متوازيين) وقوله:(إن بين تقدم الثقافة العقلية والحياة السياسية للأمة ارتباطاً وثيقاً) وتحدث عن الأدب الابتداعي بقوله: إن غرض الأديب الابتداعي هو أن يمد الإيطاليين بأدب قومي أصيل، لا بأدب كذلك الذي يكون كصوت الموسيقى العابرة يطأ الأذن ثم يموت؛ أدب يترجم لهم عن نوازع نفوسهم وأفكارهم وحاجاتهم وحركتهم الاجتماعية)
وراح الشاب وهو في الثالثة والعشرين يكتب في الصحف وقد صرف همه أول الأمر إلى النقد، إذا كان يرجو من ورائه أن يوجه أدب قومه إلى ما كان يريد؛ وبدأ يكتب في صحيفة في جنوة ولكنها عطلت بأمر الرقيب بعد عام، فأنشأ صاحبها غيرها وكتب إلى مازيني ليوافيه بأبحاثه ففعل مغتبطاً ولكن هذه الصحيفة لحقت بسابقتها بعد عام آخر، فتعاظم الأمر هذا الشاب الحر ولكنه ما زاده إلا إيماناً بالحرية ومزاياها
وتسنى لمازيني بعد جهد ليس بالقليل أن يتصل بأكبر صحف بلاده وكانت تسمى (أنتولوجيا) وقد أخذت مواهبه، كناقد من أمهر النقاد، تتجلى في تلك الصحيفة
وكان مازيني يجعل من الأدب يومئذ وسيلته إلى خدمة بلاده وكانت تحدثه نفسه بشتى المشروعات الأدبية يرمى بها إلى الهدف الذي عينه، هدف القومية والحرية؛ ولكن هاجساً ظل يهجس في نفسه منذ ترك الجامعة أن الأدب ليس كل شيء، فهو وسيلة بطيئة، ولا سيما أن الرقابة تضيق مجاله أشد التضييق
وكان ذلك الهاجس يكرب نفسه إذ كان يدعه في حيرة من أمره ويذره أحياناً بين اليأس والرجاء؛ فروحه المتوثبة كانت تستبطئ الوسيلة التي اتخذها وتتوق إلى وسيلة غيرها ولكنه كان لا يدري ما عسى أن تكون الوسيلة الجديدة. . . أليس يحس يد البطش تقضي على كل ميل إلى المقاومة في كل جهة من جهات إيطاليا؟ ثم ألا يذكر ما حل بالثائرين قبل ذلك بنحو ثمانية أعوام؟ وهاهو ذا مترنخ لا يزال يشهر سيف الرجعية فيخطف بريقه الأبصار ويلقي الرعب في الأفئدة
على أنه وإن عدم الوسيلة كان يرى الغاية واضحة أمامه أتم الوضوح؛ وما كانت تلك الغاية إلا بناء إيطاليا من جديد على أساس قومي، فتصبح أمة واحدة تتمتع بالحرية وتبهر العالم كما تعودت أن تبهره من قبل بثقافتها ومدنيتها؛ ولقد استقرت هذه الغاية في أعماق