أوربا - وعنها نأخذ فن التمثيل - يلقى على المسرح كأنه نثر، وسبب ذلك أن القصيدة تقوم بمعانيها وألفاظها لا بتفاعيلها والتفاعيل كأنها الدعامات والخشب في المنزل، وأما المعاني والألفاظ فأثاثه والتصاوير والتزاويق وكل ما يأخذ الطرف. كل ذلك فضلاً عن أن تقطيع أقسام البيت، وفصمه إلى مصراعين، والضغط على القافية الراجعة يورث الملل ويصك الأذن). . . الخ.
ذلك كلام الدكتور فارس، وهو كلام برّاق، ولكنه غير صحيح.
وما كنت أحب أن أخطئ هذا الصديق لولا الخوف من أن يتأثر به النقاد والممثلون فتفسد أذواق من ينشدون الأشعار المسرحية فساداً لا يرجى بعده صلاح.
نحن أخذنا عن أوربا فن التمثيل؟
هذا حق، ولكن لا ينبغي أن نأخذ عنها فن الإلقاء، فإن الأداء بالشعر غير الأداء بالنثر، وليست الأشعار المسرحية إلا قصائد خضعت للقوافي والأوزان، وفيها محرجات تقبل في المنظوم ولا تقبل في المنثور، ومعنى ذلك أن صوغ المعنى في بيت من الشعر يجعل له صورة غير صورته في فقرة من النثر، فإذا أدى الشعر كما يؤدي النثر تعرض للغثاثة والانحلال.
ولو أن الدكتور فارس كان شهد إبراهيم الجزار - وما أعظم فجيعة الشعر المسرحي بوفاة إبراهيم الجزار - لعرف أن لإلقاء الشعر المسرحي أصولاً في الإلقاء تختلف في لغة العرب عن أمثالها في لغة الإنجليز والفرنسيس.
الوزن في الشعر ليس تصويراً وتزويقاً، كما يظن الدكتور فارس، وإنما هو عنصر أصيل لا يقام بدونه للشعر ميزان، وليس بصحيح أن الأوربيين يلقون الأشعار المسرحية كما يلقون القطع النثرية، وإن كانوا أقل منا رعايةً للأوزان عند الإنشاد، لأن ذوقهم يختلف عن ذوقنا بعض الاختلاف.
وخلاصة القول أن الممثلين لا يجوز لهم تحويل الشعر إلى نثر وإلا فسد الذوق واختلت الموازين وضاع جمال الفن في الشعر المسرحي أبشع ضياع.
وإني لأرجو أن يراعي ممثلو الفرقة القومية أذواقنا حين ينشدون الشعر المسرحي مرة ثانية، فقد انزعج كثير من الناس حين رأوهم ينشدون بعض الأشعار بلا احتفال بأهمية ما