لأستاذنا الجليل أحمد أمين سابقة جليلة في اللغة العربية، حين انتدب لكثير من المصطلحات الفلسفية في اللغة الإنجليزية فوضع بإزائها كلماتها العربية. وليست كلمتنا هذه لبيان هذه الفضيلة، فهي غنية عن البيان. ولكن إحدى هذه الكلمات استوقفتنا، وقد خيل إلينا أن أستاذنا المفضال خانته فيها دقته، وهي كلمة الحلول، فقد وضعها بإزاء كلمة وتحليل هذه الكلمة يرجعها إلى كلمتين يونانيتين: بمعنى (كل) وبمعنى (الله) فهي تعني بهذا أن كل شيء هو الله، أو أن الله هو كل شيء؛ وطبيعي أنه لا يستقيم مع هذه الكلية المطلقة إلا أن يكون ثمة كائن واحد هو الله (وسائر الصور الأرضية والسماوية صور تجلياته وشؤون ظهور ذاته) كما يقول العلامة بهاء الدين العاملي في رسالته: الوحدة الوجودية. وكذلك سمى المسلمون هذا المذهب بوحدة الوجود، واستفاضت هذه التسمية. أما (الحلول) الذي آثره الأستاذ فما زالوا يبرءون منه في كل مناسبة: أن يشتبه بمذهبهم ويشنع به عليهم، فهو شيء مختلف كل الاختلاف. فيقول ابن الفارض مثلاً:
وفي الصَّحو بعد المحو لم أكُ غيرها ... وذاتي بذاتي إذ تحلَّت تحلّتِ
وما زلتُ إيّاها، وإيّاي لم تَزَل، ... ولا فرقَ، بل ذاتي لذاتي أحبّتِ
متى حلتُ عن قولي: أنا هِيَ، أو أقلْ: ... - وحشا هُداها - إنها في حلَّتِ؟
وليسَ معي في الملك شيء سواي وال ... معيّة لم تخطر على ألمعيّتي
وكذلك جاء عبد الغني النابلسي ينتفي من هذه التهمة في تائيته إذ يقول:
وإياك من قولي بأن تفهم الذي ... تدين به الكفار بين البرّية
فإني برئ من حلول رمت به ... عقول تغذَّت بالظنون الخبيثة
وما بانحلالٍ واتِّحادٍ أدين في ... حياتي وإن دانتهما شرُّ أمة
وقد وضح العاملي في رسالته الآنفة الذكر الفرق بين وحدة الوجود والحلول توضيحاً يحسم الشبهة بقوله: (فإن قيل لهم فيلزمكم القول بالحلول والاتحاد يقولون: لا يلزمنا هذا ولا ذاك،