فمن أين أخذ هذا الكلام وهو الذي اشترك مع لجنة مكونة من أشخاص معروفين في تأليف كتابين للمدارس الثانوية بُدِئ فيهما بالأدب الجاهلي والأدب الأموي، وهما عصران أعلن عليهما الحرب في هذه الأيام؟
أخذ هذا الكلام من قول صاحب رسالة (اللغة والدين والتقاليد) ص ٤٢ و ٤٣.
(إن درس تاريخ الأدب بدعةٌ نقلناها نقلاً عن أوربا، وهي مقبولة هناك؛ لأن الأدب الأوربي يكثر في القصَصَ والتمثيل، وهي موضوعات أَلفها التلاميذ، لأنهم منذ الطفولة عرفوا القصَصَ وعرفوا التمثيل، فلا يصعب عليهم أن يفهموا الفرق بين فن وفن، وعصر وعصر، وأسلوب وأسلوب. أما في مصر فالأدب في جملته يتحدث عن شؤون جِدية لم يعرفها الشبان من قبل، فمن العسير أن يدركوا كيف تطور واستحال من جيل إلى جيل. . . إن تاريخ الأدب لا ينبغي أن يدرس إلا في المعاهد العالية، أما المدارس الثانوية فيدرس فيها الأدب الصِّرف، مع العناية بشرح النصوص والبحث عن مواطن الجمال في النثر الجيد والشعر البليغ. . . درس تاريخ الأدب في المدارس الثانوية جهدٌ ضائع، وسنصبر عليه إلى أن تسوق المقادير رجلاً حاذقاً من بين الذين عرفوا عقلية التلاميذ، وما أظن أننا سنصبر طويلاً، لأن العناية بإصلاح التعليم تزداد من يوم إلى يوم، والى أن تحذف تلك المادة الفضولية نوصي أساتذة اللغة العربية بأن يتخيروا للمطالعة والمحفوظات نصوصاً لا تخرج عن الأدب الحديث، لأنه أقرب العصور إلى أذهان التلاميذ، وقربُهُ من أذهانهم يساعد المعلمين على بيان ما يتصل به من الملابسات الخلقية والاجتماعية، ويمكِّن التلاميذ من فهم ما فيه من أسرار البيان).
ورسالة (اللغة والدين والتقاليد) نشرت في سنة ١٩٣٦، والفكرة قديمة عند صاحب هذه الرسالة فهي مُثْبتةٌ في كتاب (ذكريات باريس) الذي طبع في سنة ١٩٣١.
وأحمد أمين يعرف أن الجندي المجهول الذي اسمه زكي مبارك هو الذي غير منهج دروس الأدب في مدارس وزارة المعارف من حال إلى حال، فقد كانت تبتدئ بالعصر الجاهلي فصارت تبتدئ بالعصر الحديث. ومن السهل أن نستخرج المذكرات التي قدمتها للوزارة في هذه القضية ليعرف أحمد أمين هوية الرجل الذي وَأَد كتاب (المجمل) وكتاب (المفصَّل)