رحلاته على زيارة المدن الهولاندية الأخرى بل كان يزور باريس وما دونها من المدن جنوباً في الأقاليم الزراعية الغنية التي تمتد وسط أوربا. رأي ثراء تلك البلاد وفكر في أطيانه ذات المستنقعات التي يمكن أن تصير خصبة أيضاً لو أنه جفف ما فيها من الماء.
وكان قد سمع في باريس من سائح أنه قد ظهر اختراع حديث في بوهميا حيث أنشأ رجل عجلة تدار بواسطة الهواء وتستخدم في امتصاص المياه من الآبار. وكان الكماد ميكانيكياً عملياً فعرف كيف يمكن امتصاص الماء فوق الأرض. وكان يستعمل في ضيعته مصاصات للماء غير متقنة الصنع تكلف عناء كبيراً في العمل ولا تمتص إلا القليل من الماء، لأن المصاصات التي تستعمل باليد لتفريغ مستنقعات طاغية مما يسيل من مجرى النهر لا تكاد تفضل في عملها بعض ألاعيب الصبيان. ولم يكن في هولاندا في القرن الخامس عشر جيش من الرقيق يستخدم في مستنقعاتها الواسعة ليلاً ونهاراً ليحارب طغيان الماء.
ولو أن رجلاً آخر كان في مكان الكماد لجاز أن يسخر بفكرة استخدام الريح لهذه الغاية، ولكنه كان هولاندياً يألف ما يألفه المتصلة حياتهم بالسفن وبالمياه، وقد عرف في طفولته كيف ينزع شراع سفينة ويقيمه في مستنقع في الأرض ليساعد بواسطة الريح على كسح الماء. وكان ملاحاً فهو يعرف حق المعرفة قوة الريح. ولكن الفكرة التي كانت جديدة هي أن تدير الريح عجلة وأن تدير هذه العجلة مصاصة.
ولو أن رجلاً آخر في موضع هذا الرجل وكان أقل ذكاء لرأى الفكرة مستحيلة. ولو أن الأمر الذي يعنيه كان أقل أهمية لرأى أسهل الأمرين أن يستمر امتصاص الماء بواسطة العمل اليدوي القديم أو بإدارة ساقية يجرها حيوان. لكن بالنسبة لهذا الرجل فإنه لا الإنسان ولا الحيوان يقوى على مص الماء من أطيانه الواسعة، وهو يعتقد أنها لو صُفِّيتْ من الماء لصار في وسعه أن يجعل كل جزء منها في مثل خصوبة المزارع الفرنسية.
ولما عاد الكماد من باريس إلى وطنه لم يقل شيئاً عن هذه الآلة الجديدة التي سمع عنها لأنه عرف أن جيرانه الهادئين المجردين من الخيال سيسخرون من الهواء الذي يمتص الماء، ولكنه عكف على صنع ألعوبة تمثل عجلة فوقها أكثر من شراع، وذلك لكي يجرب بها الاختراع.