وقد أمضى زمناً ليس بالقليل في وضع كل شراع بالزاوية التي تناسبه، ولكنه أخيراً صنع طاحوناً تدور حول نفسها كأنما تلقت سر الحركة الدائمة.
وعند ذلك استدعى بعض جيرانه فأطلعهم عليها وقد أعجبوا بذكائه في صنع اللعبة، ولكنهم ضحكوا من استحالة القيام بعمل جدي بواسطتها وقالوا: (هل يدل هذا على مقدار الأذى الذي تلحقه الأسفار بالانسان، فإن فلورنت كان مزارعاً صالحاً وعاملاً منتجاً وحداداً جاهداً قبل أن يعتاد السياحة في البلدان، وهو الآن يظن أنه يعرف أكثر مما كان آباؤه يعرفون وهو يضيع وقته في صنع الألاعيب، وما أغرب تخيله في أن تمتص الرياح الماء! من الذي سمع من قبل بأمر مثل هذا؟
لكنه على الرغم من أنه لم يكن في هولاندا من سمع شيئاً من هذا، فإن الكماد ظل يعمل لينشئ طاحونة. وبعد أن أجرى التجربة في الألعوبة شيد طاحونة كبيرة ذات أربعة شرع بدلاً من العجلة. وجعل هذه الشرع ذات دولاب واحد لكي تظل الريح تديرها، وذلك لأنه إذا كانت حركتها مستمرة كان من السهل أن تركب عليها عجلات أصغر منها تجعل حركة المصاصات مستمرة كذلك.
أنشأ طاحونته الفخمة ولكنها كانت لا تدور إلا إذا هبت الريح من اتجاه معين. وكذلك ظلت كما ظل مِنْ بعدها كل الطواحين الهولاندية مدداً طويلة تعمل عندما تهب الريح شمالية شرقية.
فلما تحركت وامتصَّتْ الماء استدعى جيرانه وأراهم نجاحها.
وقد يكون الهولندي بطيئاً في تصرفه وقد يكون من الصعب إقناعه، ولكنه متى رأى عملاً صالحاً فهو يحسن تقديره، فهؤلاء المزارعون الهولنديون ذوو الصلابة قد قضوا العمر في محاربة عنصرين من عناصر الطبيعة: الماء والريح. وما كادوا ينشئون تلك المرافئ الرملية لتحميهم من الأمواج حتى هبت الرياح فأزالت أعالي هذه المرافئ وأعادت الماء إلى الطغيان.
لما رأى هؤلاء المزارعون عدويهم القديمين وقد سُخِّر أحدهما لمحاربة الآخر ضحكوا وصفقوا وأثنوا على ذكاء فلورنت.
وقبل أن يموت فلورنت كان نجاحه غير مقتصر على أن أصبحت الطواحين منتشرة في