أحسب القول ذا إجابات تتراوح بين الإقرار وبين الإنكار، فإن الخيال والدرس والإيمان كل ذلك خلال تستبقي الأثر لكل لفظ قيل إذا تشابهت ظروف القول. وهذا النشيد ككل قول آخر ينطبق عليه قول أبي الطيب:
ولكن تدرك الأفهام منه ... على قدر القرائح والعقول
ولقد كان الذين دفعهم إيمانهم إلى دراسة السيرة النبوية دراسة تربط الفهم بالوجدان - كان هؤلاء يتأثرون بهذا النشيد حين يسمعونه كما تأثر به أوائل من سمعوه إذا اتفقت لهم مثل الظروف التي قيل فيها. فطارق بن زياد في فتح الأندلس قال في وسط الجند:
قال لهم ذلك والسيوف في أيديهم ينقل إليهم مثل الإحساس الذي عالجه المهاجرون والأنصار وهم على أبواب المدينة في العام الثاني للهجرة والنبي واقف يقول إن المشركين قد اقتربوا من المدينة يريدون غزو المسلمين، وإنه يريد أن يخاطر بعض المسلمين بحياتهم فيذهبوا إلى حيث معسكر الكفار ليعرفوا مواقعهم ويبرزوا قوتهم ثم يأتوه بالأخبار.
سأل النبي أيهم يقدم على هذه المخاطرة، فتقدم منه الزبير يعلن استعداده لها.
ولكن النبي أعاد السؤال فكان الزبير هو الذي أجاب، وأعاد النبي السؤال للمرة الثالثة فكان الزبير هو الذي أجاب. فقال عليه الصلاة والسلام إن لكل نبي حواريين وإن حواريَّه هو الزبير.
أجميلة هذه الصورة؟
جميلة بلا ريب. لكن أجمل منها ذلك الشعور النبيل الذي جاش بنفس النبي وجاش بنفس كل جندي من جنوده، هو الشعور بأن الأحزاب إن هزمت فإن الذي سيهزمها هو الله وحده، ومن الذي يستطيع أن يهزم الأحزاب غير الله؟
إن أحداً لم يعد النبي بالنصر غير الله. فالله سيهزم الأحزاب لأنه سبحانه وعد بذلك. والأحزاب عدد كبير، ولكن الله أكبر.
كذلك تدفقت من فم النبي هذه الأنشودة التي ظل يرتلها في كل غزوة والمسلمون يرتلونها معه: