للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ورأيت الأمم العربية في شوق إلى من يحدِّد ما بينها من مختلف الصلات ومَن يعبِّر عما في ضمائرها من آلام وآمال، فألفتُ كتاب (وحي بغداد).

أترك ما شغلت به نفسي من الدراسات الأدبية في العوام الماضية، فالقراء يعرفون من ذلك أكثر مما أعرف، وإن كان يخفى عليهم أن لي مؤلفات جيدة تصدقتُ بها على بعض الأدعياء. وأنتقل إلى الحديث عن كتاب اليوم، وهو كتاب (الأسمار والأحاديث). فأقول:

هذا الكتاب جديدٌ من جميع نواحيه، ولن يحتاج إلى تزكية أحد من الأصدقاء، فهو حركة فكرية متوثِّبة تواجه القارئ في كل صفحة، بل في كل سطر، بل في كل جملة، إن لم أقل في كل حرف، وهو مجالٌ للتأمل والتفكر والتندر والاعتراض والاحتجاج.

في هذا الكتاب صور غريبة لعقول المصريين، وعقول من عرفت من الفرنسيين، وسيشقى به ناس، ويسعد ناس: لأنه سجِّل طوائف من أوهام العصر الحاضر أدق تسجيل.

أنا أعرف أن موتي يوم يحينُ سيكون فرصةً لقوم كدِّرت صفوَهم حياتي. ولكني مع ذلك راضٍ عما صنعتُ حين تصدقتُ فخلِّدتُ أسماءً لا تستحق الخلود من أمثال السادة: فلان وعلان وترتان! وهل في التصدق على الجاحدين من بأس؟ أولئك قومٌ مَنَّ الله عليهم بالوجود، وأمكنهم من النعيم بالأنوار والظلمات، وسمح لهم باستنشاق الهواء: فليس من الكثير أن أدعي أنهم يقرءون ويفكرون!!

في هذا الكتاب تنويه بأشخاص يوُّدون لو عميت عيونهم، وصمت آذانهم: فلا يرون وجهي ولا يسمعون أخباري، ولكنهم سيعرفون أني أكرم منهم وأشرف، لأني سجلت أسماءهم في كتاب سيغلِّف من جلود أحفادهم وأسباطهم بعد حين.

بقيت كلمة عن أسلوب هذا الكتاب:

وأنا أعتقد بلا زَهوْ ولا كبرياء أني وصلتُ باللغة العربية إلى ما كانت تطمح إليه من (البيان).

أنا أعتقد بلا استطالة ولا تزيُّد أني خلقت عذوبة الأسلوب في اللغة العربية، وقد صار البيان عندي طبيعة أصيلة لا يعتريها تكلف ولا افتعال، وما أذكر أني عرفت التسويد والتبيض فيما ألِّفت من الكتب أو نشرت من المقالات بعد زمن التمرين الذي سبق سنة ١٩١٦.

<<  <  ج:
ص:  >  >>