وما أعرف بالضبط ما هي خصائص أسلوبي: لأني أصدر فيه عن السجية والطبع، ولكني أعرف بالتأكيد أن الذي يقرأ مؤلفاتي ومقالاتي يشعر بأنه يرى الحياة وجهاً لوجه، ويشهد صراع الأحلام والأوهام، والآراء والأهواء، والحقائق والأباطيل.
تلك صفحات من أعمالي الأدبية، فيها القديم والحديث، فهل تراني تزيدتُ أو أسرفت؟
وأنت مع ذلك تعرف أني وقفت لأعداء العروبة والإسلام بالمرصاد فمزقت أوهام الخوارج على العروبة والإسلام شر ممزق، ودحرتُ من سولتْ لهم أنفسهم أن يتطاولوا على ماضي الأمة العربية، وكنت دليلك في التعرف إلى مآثر العرب في المشرقين والمغربين، وعاديت من أجل الحق رجالاً يضرون وينفعون، ويقدمون ويؤخرون، فكان اعتصامي بحبل الحق هو أقوى ما تدرَّعت به لاتقاء مكايد الناس ومكاره الزمان.
ولم أخدعك، أيها القارئ، فيما تعرضت لشرحه من الحقائق الأدبية والفلسفية: فلم أتهيب مساقط غضبك ولم أتلمس مواقع هواك، وإنما صدقت كل الصدق فرآني فريقٌ من الملحدين، ورآني فريق من المؤمنين، ونسبني قوم إلى المُجان، وعدني قوم من الصوفية، وما كنت من أولئك ولا هؤلاء، وإنما أنا سارٍ يبحث عن عَلَم الهداية في بيداء الوجود، وما بيني وبين الله لا يعرفه عدوٌ ولا صديق، وإنما عِلمُه عند علام الغيوب الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وأنا أتقرب إليه بالصدق في درس شرائع الهدى وذرائع الضلال.
أيها القارئ!
أتراني أحسنتُ الدفاع عن نفسي؟
أترى أن الذين يضيِّعون أعمارهم في مناوشتي ومحاربتي لم يستطيعوا حرماني من ودادك؟ كمْ تألمتُ وتوجعت من مكايدة مَن أُعاصر من الرجال، وكنت في أحرج أوقات الضجر والغيظ لا أملك غير التعزِّي بهذه الكلمات:
(لِيَ قُرّاءٌ أوفياء في أكثر الأقطار العربية والإسلامية، وهم عَوْني على مصاولة الدهر، ومكايدة الزمان).
أما بعد فأنت الصديقُ الحق أيها القارئ، ولو شئتُ لقلت إنك أعزُّ عليَّ من سائر أصدقائي وأصفيائي لأنك تفهم عني أكثر مما يفهمون، وقد تفوقهم في رعاية العهد وحفظ الجميل.