على أن الغليان في عبارة المؤلف قد يكون له معنى ولكننا نستبعد أن يكون مراداً للمؤلف فهو في الراجح من تصحيف النساخ.
ص ١٦٠ س ١٠ ذكر المؤلف عقاقير سُحقت ونُخلت وعُجنت بعسل، ثم قال:(وتُبسط على جامٍ وتقطع وتستعمل) ثم قال في ص ١٦١ س ٦ (ويبسط على جام الخ) واستعمال الجام في الموضعين صحيح فصيح فلا حاجة إلى تصحيح الجام بكلمة (الرخام) وإن كان بسط الأدوية والطيوب على رخام كثير الوقوع، غير أن بسطها على الجام أقرب تصوراً وتعقلاً. وبيانه أن للجام معاني ثلاثة تختلف باختلاف اللغات الثلاث العربية والتركية والفارسية فالجام في العربية معناه الإناء من فضة، وقال علماء اللغة إنه بهذا المعنى عربي فصيح. والجام في التركية لزجاج كزجاج الشبابيك والمرايا. والجام في الفارسية القدح الذي يشرب به الشراب في الأكثر وغير الشراب في الأقل.
ولا يمكن أن يكون المراد من (الجام) في عبارة المؤلف هذا المعنى الفارسي أي القدح؛ وإنما الممكن أن يكون المراد الإناء من فضة (بالمعنى العربي) أو لوح الزجاج (بالمعنى التركي)، فإن بسط العقاقير ومعالجة تركيبها عليه أكثر الشيوع وشد ما رأيناه في الصيدليات. ولا سيما إذا لاحظنا أن طائفة من علماء اللغة قالوا إن (الجام) هو (الفاثور) وفسروا الفاثور بالطست يكون من رخام أو فضة. وخص الأزهري فقال: إن أهل الشام يتخذونه من رخام. فإذا كان الجام قد يتخذ من رخام فلا حاجة إذن إلى تصحيحه بالرخام. والفاثور أيضاً قد يكون بمعنى قرص الشمس وقد سموا قرصها بالفاثور على التشبيه. وهذا يدل على أن الفاثور الذي يسمى الجام لا يكون له حروف قائمة حواليه حتى قال في (الروض الأنف): (الفاثور سبيكة الفضة) والسبيكة لا حروف لها كما لا يخفى. ويؤيد هذا ما جاء في كتاب (الألفاظ الفارسية المعربة) من أن (فاثور) معرب (بتر) وهو كل ما صفح من ذهب وفضة ونحاس. ثم نقلوه إلى الآنية المعدنية التي لها شكل الصفائح كالخوان والطست وقرص الشمس، ثم شبهوا به صدر الحسان وخاصة صدر بثينة الذي قال فيه جميل:
سبتني بعيني جؤذر وسط ربرب ... وصدر كفاثور اللجين وجيد
وبالجملة فإن استعمال المؤلف لكلمة (جام) بمعنى الإناء أو الزجاج صحيح ولا حاجة إلى