كذلك كانت الحال في مصر في الحرب الكبرى، فقد ألف الجيش الذي اشتغل في السلطة العسكرية لنفسه ألحاناً عبرت عما في نفسه وأنشدها بنفسه. فهل أنت من المخضرمين الذين حضروا الحرب الكبرى؟
لقد تذكر إن كنت من المخضرمين مسير المئات من الصعايدة المتطوعين وهم ذاهبون إلى حدود فلسطين وهم ينشدون:
يا عزيز عيني ... وأنا بدي اروَّح بلدي
بلدي يا بلدي ... والسلطة خْدِت ولدي
وهل تذكر لحن هذا البيت؟
في ذلك العهد لم تكن هناك قيادة للجيش المرابط ولا كانت السلطة الإنكليزية العسكرية تعنى بوضع ألحان للمصريين المتطوعين ولا كان هناك رجل كالشاذلي باشا يدعو الشعراء إلى تقديم أناشيدهم للجنة في وزارة الشؤون الاجتماعية، لجنة دائمة اسمها (لجنة الألحان)، ولا كان هناك قائد عظيم اسمه صالح حرب باشا يدعو الشعراء إلى وضع ألحان للجنود، ويعد بالمكافأة السخية. ولم يكن أمير الشعراء قد وضع لحنه (بني مصر مكانكمو تهيا) ولا كان أحمد رامي قد وضع نشيد الجامعة، ولا كان الأستاذ صادق قد وضع النشيد القومي.
لم يكن شيء من ذلك، ولكن كان مليون من المصريين في ساحات القتال في فرقة التشهيلات، وكانوا يسيرون، فكان لابد لهم من لحن عسكري. ولما لم يجدوا من يؤلفه لهم ألفوه لأنفسهم، ولحنوه بأنفسهم، فكان:
يا عزيز عيني ... وانا بدي اروَّح بلدي
بلدي يا بلدي ... والسلطة خدِت ولدي
ولكن ما رأيك في أن هذا النشيد لعذوبته ولصدق تعبيره بالنغمة الموسيقية عما في أنفس الجنود قد طغى على نشيد:
الإنكليزي فكان الجنود الإنكليز ينشدون في أثناء سيرهم: