فدحه الدين وتركته الفاقة رث الملابس مضعوف الجسم؟ ولكن المدرسة قد نجحت على الرغم من ذلك، وازداد مازيني بها قدراً في أعين الإنجليز وهم الذين يقدرون مثل هذه الأعمال حق قدرها؛ وزاد نجاحها على نجاح المدارس فبثت الروح الوطنية في قلوب أبنائها، وبثت فيها غير الوطنية عرفان الجميل وشكر المحسنين، فهذا غلام يعود إلى موطنه فيأبى عليه شعوره النبيل إلا أن يسافر إلى جنوة ليحدث أم الزعيم عن أبنها العظيم ويعبر لها عن امتنانه وحفظه صنيع ذلك الرجل الذي علمه وملأ قلبه حماسة وإخلاصاً.
ونشر مازيني صحيفة للعمال يحدثهم فيها عن حقوقهم وواجباتهم ويرفع بها مستوى مداركهم لأن العلم عنده من أكبر أسلحة الوطنية، ولقد كان لهذه الصحيفة في صفوفهم أثر بالغ وإن لم يكن يستطيع أن يذيعها فيهم إلا في فترات متقطعة لحاجته إلى المال؛ وكثيراً ما كان يهرب العمال أعداداً منها إلى إيطاليا فيكون لها في قلوب العمال هناك أكثر مما قدر لها من التأثير إذ كان يحس قراءها أن هذا الكلام كلام زعيم إيطاليا، وأنه فوق ذلك منبعث إليهم من المنفى. . . وكان الزعيم لا يفتأ يحدثهم عما يعانون من البؤس ويلاقون من الإهمال ويبين لهم أسباب ذلك، ويبشرهم بمستقبل سعيد تسود فيه الحرية وتقرر فيه حقوق الأفراد فينالون حظهم من التعليم والرقي والرخاء.
أنكأ مازيني على نفسه على الرغم من ضنى جسمه وقصر ذات يده؛ وكلما أشتد الموقف عليه لاذ بالأمل فبدد أمله أشباح اليأس. ولئن كبر على نفسه أن تضعف (إيطاليا الفتاة) فلقد كان عزاؤه فيما بثته مبادئها في قلوب الشباب والشيوخ من الحماسة والعزم؛ فكان العمال يتلقفون صحيفته الخاصة بهم على الرغم من يقظة الرقيب والبوليس، وكان شباب الجامعات يتهافتون على كتاباته ويتلونها كما يتلون الإنجيل فلها في أنفسهم مثل جلال الإنجيل ومثل سحر الإنجيل.
وكانت النمسا تضيق بها أشد الضيق، كما كان يضيق به أنصار الرجعية في القارة كلها. وأصبح اسم مازيني يقض مضاجعهم وينذرهم بالويل في المستقبل القريب. وكان مما تطيب له نفس ذلك الغريب المجاهد، أن يصبح وهو فرد مبعث خوف هؤلاء الجبابرة الحاكمين.
وترامت إلى مازيني في إنجلترة نبأ دعوة جديدة أخذت تتسرب إلى أذهان الإيطاليين، وهي