فيها وتباين أصولها وأتجاهاتها، وهذا التشابك وهذا التعقد وهذا التكاثر وهذا التباين. . . كل هذه حين تتفاعل تغلي بالوجود غلياناً، وفي هذا الغليان تتناثر بعض الموجودات فتخرج عن محيط أخواتها متطايرة متطيرة، فأقوى ما في الموجودات هو الذي يستطيع أن يرد هذه الشاذة إلى مرجل الحياة بالدفع أو بالجذب، وأقل قوة من هذا هو الذي يدعوها بالكلام عسى أن تقتنع أو تعود إذا كانت مما يفهم الكلام. . . والأقل قوة من هذين هو الذي ينظر إلى هذه الشاذة نظرة العارف بمروقها والآسف لهذا المروق والراغب في عودتها، والعاجز عن إعادتها بالفعل أو القول. وهذا الذي وصفه النبي (ص) بأنه أضعف الإيمان، وليس الإيمان - كما لعله وضح - إلا الخضوع بالرضى لقوانين الحياة الساعية إلى الله، ومن أقوى هذا الخضوع ما لم يشبه التردد وما صاحبه الإدراك، كخضوع الخضر، ومن أضعفه الخضوع الذي لا إدراك فيه وهو خضوع الجماد والتراب، وبين هذا وذاك درجات للإيمان.
- والآيات. . .؟
- الآيات هي البراعة في هذا الإيمان. . . إن في تتابع الليل والنهار آية، لأن هذا التتابع بارع، فهو ماض منذ كان إلى ما شاء الله لم يضطرب يوماً ولم يتأخر يوماً، ولم يحدث أن تعاقب نهاران أو تلاحقت ثلاث ليال من غير أن يتوسطها نهاران.
- في القطب يطول النهار شهوراً. . .
- نحن نتحدث في التتابع لا في الطول والقصر فلهذين قانون آخر هو أيضاً آية لأنه أيضاً بارع
- طيب. . .
- وكما أن للشمس والقمر براعة في إيمانهما تحتم أن يكون للناس براعة في إيمانهم ما دام الناس هم أشرف المخلوقات. وقد حدث هذا. فإن من الناس من هم بارعون في إيمانهم براعة هي آية. . . فالخضر الذي ثقب سفينة الفقراء لينقذها من اغتصاب الحاكم الطاغية الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً إذا أعجبته، ولا تعجبه المثقوبة، كان في عمله هذا من أولياء الله، أي من ملازمي الحق، أي من الناس البارعين في خضوعهم لقوانين الحياة الصحيحة التي كان جديراً بالأفراد جميعاً أن يتبعوها فلا يعتدي منهم إنسان على ملك