إنسان، أو على جهد الإنسان، والخضر - فيما يروي كتاب الله - كانت له أفعال كثيرة كهذه، وعلل بعضها لموسى حين ألح في سؤاله إياه عنها، وهذا التعليل يدل على أنه كان يستطيع التمييز بين الخلائق والحوادث المنتظمة في النهج الصحيح للحياة - أو بعض ذلك - وبين الخلائق والحوادث الأخرى التي تشذ عن هذا النهج الصحيح - أو بعض ذلك - وبراعة الإيمان في الخضر ليست هي مجرد الإحساس بهذا وإدراكه، وإنما براعة إيمانه في أنه يرد الحق إلى نصابه. . . وهذا فعلاً هو الأمر الجلل الذي لا يستطيعه كل إنسان. . . فنحن في كل يوم نرى عيوباً وشذوذاً عن الحق يصاب بها الناس وتصاب بها الأشياء، ولكن أكثرنا يتشاغل عنها بشئونه هو كأن شئونه لا تتصل بشئون الكون. وقليلاً جداً من الناس هم الذين يلفتون الناس بالكلام أو بوسائل أخرى من وسائل التنبيه تشبه الكلام إلى هذه العيوب ويطلبون منهم أن يصلحوها، وهؤلاء هم الفنانون فهم أيضاً من ملتزمي الحق أي من أولياء الله، ولكنهم ليسوا كالخضر إيماناً ولو كانوا مثله لتحولت فنونهم هذه إلى أفعال يؤدونها بأيديهم؛ فيقيمون بها الحق ويقومون بها المعوج بدلاً من الكلام وما يشبه الكلام، ولكنهم على أي حال أقوى إيماناً ممن لا يفعلون ولا يقولون وإنما ينظرون ويدركون ويأسفون ويعجزون. . . وحتى هؤلاء أصلح حالاً مما ينظرون فلا يدركون، ولا يأسفون ولا يحزنون!. . . وما أسعد الجمهور من الناس الذي يتولى أمره نفر من هؤلاء المؤمنين، أولئك الذين يقومون العوج بأيديهم. . .
- وما حال الجمهور الذي يتولى أمره الفنانون؟
- الفنانون فيهم عيب، وهو أنهم يقولون ما لا يفعلون. . . وقد وصف القرآن الشعراء بهذا. . .
- هذا صحيح، ولكن لماذا؟
- ألم نقل إن درجات الإيمان تختلف في الخلائق، وأن اختلافها يظهر في مدى خضوعها لقوانين الحياة المرتقية إلى الكمال بمظهر القوة على رد غيرها إلى مرجل الحق بالدفع أو الجذب، ثم بعد ذلك بالنداء أو الكلام ثم بعد ذلك بالأسف. . . إلى آخر هذا الذي قلناه
- هيه. . .
- الفنانون إيمانهم من الدرجة الثانية أو ينتجون من الفنون ما يشبه القول، وتنظرين بعد