مقطوعة بطبيعتها بين شعراء مصر وبين لابسي الهلاهيل، فلم نضع ألحاناً لمسير المليون مصري الذين تطوعوا في الحرب الكبرى ووضعوها هم لأنفسهم. فإذا بعضها:
يا اللي رماك الهوى ... حود على الكامبو
والكامبو هو الـ أي معسكر الجيش الإنكليزي
وانتهت الحرب الكبرى ونشبت الثورة المصرية وكان لها شأن آخر. كانت هناك قيادة للثوار واتحاد في الغرض والوسيلة، واشترك في المشاعر الثائرة أصحاب (الفراك) و (البونجور) و (الردنجوت) مع أصحاب الهلاهيل. ومن أجل ذلك كان هناك الأناشيد التي يضعها الشعراء للمسير والتي نالت شرف السيرورة لصدق تعبيرها عن عواطف البيئة.
قد لا تكون هذه الأناشيد مما يسميه الشعراء غروراً (بالشعر الخالد) ولكنها على كل حال ستظل باقية ما بقى لتلك الثورة ذاكر. وإذا شئت أن تدرس طبيعة تلك الثورة وتعرف أسبابها فإن أهم مرجع هو الذي يدلك عليه سانت بيف وهو الشعر الذي قيل فيها، هو تلك الأناشيد:
نشيد شوقي. ونشيد العقاد. ونشيد صدقي. ونشيد الرافعي. ونشيد صادق. ومائة نشيد ونشيد غير أناشيد هؤلاء. . . ولكن هل كانت الثورة المصرية خالية من الأوشاب؟ وهل كانت كل العواطف من طراز عواطف هؤلاء النبلاء! كلا. فقد كان في المتظاهرين من لا يقنعه (حيوا العلم!) ولا (مكانكمو تهيأ) ولا (فحيي فتاك شهيد هواك) ولا أمثال هذه الاتجاهات السامية
ولم يكن في الشعراء من يستطع الإعراب عن عواطف الذين يلقون بالأحجار على اللوحات الزجاجية فيحطمونها ولم يكن فيهم من يستطيع الإعراب عمن لا يجد تعبيراً أطيب من قلب مركبة الترام أو قطع خطوط التلغراف. وكان هذا الفريق من الأوشاب موجوداً بالفعل وكان لا بد له من الإعراب بالموسيقى عن عواطفه تلك. والإنسان برغم أنف المناطقة حيوان موسيقى وليس فقط بالحيوان الناطق، بل أستغفر الله فهو برضى المناطقة وعن طيب خاطر منهم حيوان موسيقى لأن النطق لا يمكن أن يتم إلا والموسيقى جزء منه.
ظهر في الثائرين أيام الثورة المصرية من يحطم اللوحات ويقذف بالطوب ولم يكن بينهم