هذا (التلطف) نفسه لا أساس له من الواقع، وإنه من اختراع مخيلة صديقه الخصبة الجريئة. بل إن المسألة على العكس من ذلك تماماً. فإن صلة هذا المدرس بمكتبة الجامعة صلة يجب أن نشكره عليها كل الشكر، فقد أدى لمن يريدون البحث في المسائل الإسلامية أجلّ الخدمات دون أدنى مقابل. ويكفي أن تعلم أنه خلق قسماً خاصاً في المكتبة يجمع كل ما تحتويه من كتب إسلامية عربية أو غربية، وأنفق جهداً ضخماً في مساعدة القائمين على شؤون هذا القسم من موظفي المكتبة من حيث جمع الكتب وتبويبها ووضع الفهارس لها والإرشاد عن مظان المسائل الإسلامية المختلفة. كل هذا الجهد الهائل قد بذله دون أن يؤجر عليه، على أي نحو من الأنحاء. فصلته بالمكتبة إذاً صلة فضلٍ عليها لا صلة فضول، صلة يجب أن يسجل له الباحثون في المسائل الإسلامية من أجلها أعظم الشكر
وفيما يتصل بالدكتور سالمون بينس يجب أن تقرر أولاً أن هذا المدرس في كلية الآداب لم يقترح مطلقاً على الكلية أن تستقدمه. بل إن صلته بالدكتور بينس منقطعة منذ أكثر من سنة ونصف، وليس أدل على تهافت كلام صديق الدكتور من ذكره أن قسم اللغة العربية قد نشطت آذانه لسماع اقتراح هذا المدرس. فمثل هذا الاقتراح لا يتعلق بقسم اللغة العربية، وإنما بقسم الفلسفة، لأن الدكتور بينس يشتغل بالفلسفة الإسلامية فحسب، وليست له مشاركة في أية ناحية أخرى من نواحي الاستشراق؛ فإذا استقدمته كلية الآداب، فذلك لكي يكون مدرساً للفلسفة الإسلامية بقسم الفلسفة.
هذا هو الواقع في مسألة صلة هذا المدرس بالدكتور بينس وما قيل عن اقتراحه المزعوم.
أما مسألة استقدام الدكتور بينس فهي في ذاتها أمنية تجيش في نفوسنا نحن المدرسين المصريين المستقلين بالفلسفة الإسلامية وليس أدعى إلى اغتباطنا من أن يأتي إلى الكلية مدرس في تدريسه أعظم الفائدة للطلاب، ونهوض بمناهج الدرس للفلسفة الإسلامية. في كلية الآداب نهوضاً كبيراً. فالدكتور بينس مستشرق ممتاز، وقطب من أقطاب الجيل الذي بدأ يتبوأ مركز الصدارة في حركة الاستشراق بعد أن انقضى الجيل السابق من المستشرقين أو كاد بعد موت المرحوم نلينو. وأن أعجب لشيء فعجبي لجهل الدكتور بشر فارس بمكانة بينس مع أن الدكتور بشر فارس ممن لهم إلمام بحركة الاستشراق غير قليل، وأغلب الظن أنه إنما تجاهل بينس - ولم يجهله - حرصاً على إرضاء شهوة الصديق أن