أحاديثها بكثير من الضجر والسأم فأختصر الزيارة أو أعكس وجهة الحديث أو أنقطع عنهما أسابيع.
ولا أنس يوماً وأنا مكب في مكتبي على عمل هام إذ اندفع إليه عزيز سامر فجأة كأنه قذيفة طائشة فنهضت منذعراً أرحب به، وهو يقول:
- اسمع يا فريد! إن هذه الحياة لن تطول بي وإني لأختنق. لقد بلغت مناقشاتي مع سلمى درجة من الحدَّة حملتها على التفكير في الطلاق.
فسكنت روعه ولطفت من هياجه، وبين فنجان من القهوة ولفافة من التبغ فهمت أن سلمى اندفعت من طريق المطالعة إلى حد خرجت به عن التسلية إلى الجد، وأنها صارت تطبق على زوجها كل الآراء والأفكار التي تقرأها. وأنها تلح عليه في الجدل والمساجلة حتى يتبرم بها ويكاد يجنُّ من الأسئلة والأجوبة، وهو رجل لا يفكر إلا في قضاياه وملفاته، وقد أضحكني عزيز كل الضحك حينما سألته أن يضرب لي مثلاً لذلك فقال:
- تصور يا فريد أنها قرأت قصة من قصص موباسان حدثتني أن صاحبتها كانت إذا أرادت رجلاً لنفسها ورأت فيه شيئاً من الاستحياء والخجل تصنَّعت الإغماء بين يديه حتى يضمها إلى صدره ويغتنم فرصة إغمائها.
فتهالكت من الضحك وقلت لعزيز: إن هذا ايوجد إلا في القصص. فتغاضب عزيز وقال: لا تضحك بل اسمع ماذا سألتني سلمى.
قلت: ماذا؟
قال: سألتني بعد أن أعربت عن إعجابها بهذه الناشرة المريضة: ماذا أفعل لو أن سيدة أغمي عليها وألقت بنفسها بين يدي. . . فأجبتها بأني أستدعي لها الإسعاف. . . فقالت لي: أنت رجل مغفَّل! ومن هنا نشأ بيننا جدل عنيف لم ينته إلى الصباح، وقضينا ليلة ساهرة في المصايحة والمهاترة.
وزاد عزيز على قوله:
- لذلك أرجو منك يا صديقي أن تحاول ردَّ سلمى إلى صوابها، وتحملها على الإقلاع عن هذا الهذيان الذي يقودنا حتماً إلى المحكمة الشرعية.
ووعدت عزيزاً بالتدخل، وفعلاً خاطبت سلمى في الأمر وأخذت أخضد من رغبتها في