وهل جشمت نفسك مشقة الانتقال لحضور الامتحانات الشفوية بوزارة المعارف عساك تدرك إلى أي حد نجح اقتراحك الجديد؟
إن وزارة المعارف سكتت عنك، لأنها كانت تعرف ما (ترجوه) منك، فقد قلت في كتابك: إن أكثر المراقبين لم يُثقفوا ثقافة جامعية. وأنت في الواقع خصمٌ مخيف، فليس من المستغرب أن يسكت عنك المراقبون وهم كارهون!
فهل تنتظر أن يطول هذا السكوت؟
هذا يوم له ما بعده، يا سيدي الدكتور، فقد تحدثك النفس بعد أسبوع أو أسبوعين بدعوة وزارة المعارف إلى فرض إحدى اللغات الميتة على بعض الأقسام بالمدارس الثانوية، وقد تحدثك النفس بوجوب القول بأن عقلية مصر عقلية يونانية لا عربية، وقد تحدثك النفس بأن الجهل بحياة البحتري لا يقاس إلى الجهل بحياة هوميروس!
هل تذكر خُرافة (تيسير النحو) التي شغلت بها وزارة المعارف؟
وهل تذكر أين صارت تلك الخرافة بين غيابات التاريخ؟
وهل تذكر ما قوبلت به من السخرية في الشام والعراق؟
إن محاسنك هي عيوبك، يا سيدي الدكتور، فأنت تفرّ من السكون لأنه ينافي الحياة، وأنت بالفعل من أقوى الأحياء، ولكنك مع ذلك لا تحب الحياة في الحقيقة كما تحبها في الخيال، وإلا فكيف جاز عندك أن تُدرس الخطب القديمة في وطن ديموستين قبل أن تدرس الخطب الحديثة في وطن زغلول؟ وكيف صح في ذهنك أن تُدرس مجادلات الأحزاب في أتينا قبل أن تُدرس مصاولات الأحزاب في القاهرة وبغداد؟
أن أرجو - وأنت مَن أعرفُ في رحابة الصدر ورجاحة العقل - أن تثق بأني لا أجامل وطني ولا أصانع زماني، وإنما أنا معلِّم يدرك أصول التعليم إلى أبعد الحدود، وهي مهنة سأصل بها إن شاء الله إلى ذروة المجد، فلا يعيبني أن أستطيل بها على من أشاء؛ ومعرفتي بهذه المهنة تفرض عليّ أن أصارحك بأنك قد تسلك مسالك لا تخلو من وعورة والتواء.
أنت تلوذ بالقديم في كل وقت لتأمن سيطرة الناقدين، ولكن القديم قد اندحر أمام الجديد، فمن