للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بدأ أولاً بالتدخل في جانب المضطهدين السياسيين في لمبارديا وفينشيا الذين صادرت النمسا أملاكهم عام ١٨٥٣، فجعل بيدمنت في ذلك زعيمة المضطهدين في إيطاليا، فولى الأحرار شطرها وجوههم؛ ثم واتته الفرصة في حرب الفرم فأرسل جيوش بيدمنت لمساعدة قضية الحلفاء ضد الروسيا، فلما عقد مؤتمر الصلح في باريس عام ١٨٥٦، كان لبيدمنت مقعد فيه وهي مزية سياسية لها مغزاها بالنسبة لنفوذ النمسا؛ وشكا كافور إلى رجال المؤتمر وقد كسب مودتهم بمساعدته قضيتهم من مسلك النمسا في إيطاليا فهيأ بذلك الجو الصالح لخطواته في المستقبل.

واتجه كافور بعدها إلى فرنسا، ومال إلى محالفة نابليون الثالث، وكان نابليون يعطف على حركة إيطاليا إذ كان يرى نفسه وريث مبادئ سميه العظيم، كما كان يطمع أن ينقض ما وضعه الساسة عام ١٨١٥ عقب هزيمة بونابرت؛ لذلك اتفق كافور ونابليون سراً في بلومبير عام ١٨٥٨ على أن يساعده نابليون ضد النمسا نظير أن تضم مقاطعة سافوي إلى فرنسا.

وأوحى كافور إلى الملك في بيدمنت أن يستفز النمسا، فكان مما جاء في خطاب العرش الذي ألقاه فكتور عمانويل في تلك السنة: (إننا مع احترامنا جميع المعاهدات لا يمكن أن نصم آذاننا عن صيحات الألم التي تنبعث إلينا من نواح كثيرة في إيطاليا)؛ وسرعان ما توجه الأحرار إلى بيدمنت بآمالهم في انتظار ساعة الخلاص على يديها.

هكذا كسب كافور حليفة قوية وكسب الرأي العام في إيطاليا وبقي أن تعلن النمسا عليه الحرب ليتم رسالته؛ وكان كافور يستعجل هذه الحرب! إذ كان يعلم أن نابليون رجل قلب كثير الأهواء والنزعات، فكان يخشى أن يتخلى عنه؛ وكانت الحكمة تقضي على النمسا أن تتريث حتى ينقضي ما بين كافور ونابليون؛ ولكن رأي الحزب الداعي إلى الحرب فيها تغلب على أولى الحكمة فأعلنت الحرب واحتلت جنودها بيدمنت. ومشت جنود بيدمنت وفرنسا فأوقعت بالنمسا هزائم متلاحقة كانت كبراها في سلفرينو؛ ورأى كافور والفرح يملأ فؤاده أنه من النصر النهائي على قاب قوسين؛ فما هي إلا أيام ثم تطرد النمسا من إيطاليا؛ ولكن شد ما أزعجه وآلم أن يرى نابليون يخذله على حين غفلة فيعقد الصلح مع النمسا في فلافرنكا في يوليو عام ١٨٥٩.

<<  <  ج:
ص:  >  >>