وعاد كافور إلى الحكم واتجه صوب فرنسا من جديد وقدم نيس وسافوي إلى نابليون ليكون ظهيراً له مرة أخرى؛ ولقد حنق مازيني وغاريبلدي على ذلك أشد الحنق. على أن مازيني أخذ من جديد يفكر في بعث ثورة في الجنوب يؤيدها كافور، وصرف إلى ذلك همه وما زال بغاريبلدي حتى حمله أن يسير هو والبواسل الألف من رجاله إلى صقلية، وقد جاء مازيني إلى إيطاليا متنكراً ليكون على مقربة من الأبطال المجاهدين، وحل بجنوة وأقام بها في مخبأ لا يراه أنصاره فيه إلا تحت ستار الليل، وراح يمد غاريبلدي ورجاله بكل ما يصل إلى يده من المال؛ وحالف النصر غاريبلدي فعبر من صقلية إلى نابلي، وطرب الأحرار في إيطاليا كلها لهذه الحركة العجيبة تأتي على يد ذلك البطل العظيم؛ وانتعشت آمال مازيني وذهب إلى نابلي ليستحث المقاتلين وكانت قد سقطت تلك المدينة في يدهم، وأخذ كافور يترقب في حذر على عادته ويخشى أن يعتدي غاريبلدي وجنوده على أملاك البابا فتتدخل أوربا، ولكنه ما لبث أن وجد الفرصة المرجوة فأرسل جيشاً دخل أراضي البابا، ثم تقدم فكتور عمانويل على رأس جيش فدخل نابلي وقابله غاريبلدي وقدم له الطاعة؛ ورأى الأحرار أن الوحدة المرجوة أوشكت أن تتم.
ولما صار مازيني على مقربة من النصر أخذ ينادي بمبادئه الجمهورية من جديد فأدى هذا إلى حنق كثير من الناس عليه حتى لقد ألقيت قنبلة في نابلي تحت نافذة مسكنه، وطلب إليه أصدقاؤه ففعل بعد احتجاج شديد وعاد إلى إنجلترا في نهاية ذلك العام ١٨٦٠؛ ولكنه عاد هذه المرة مسروراً بما تم تحقيقه من آماله، تطيب نفسه بما يحسه من شعور الناس جميعاً نحوه حتى الملك فقد قال حينما طلب إليه الخروج:(دعوا مازيني حيث هو؛ إذا نحن عجزنا عن بناء إيطاليا فليبنها هو، ويومئذ أكون أول المصفقين له) وإن الملك ليشعر في قرارة نفسه أن ما تم بناؤه حتى ذلك اليوم من هذا الصرح إنما قام أكثره على كاهل ذلك المجاهد الصبور.
لم يبق إلا روما وفينسيا كي تتم الوحدة؛ وذلك ما كان يشغل مازيني بعد عودته إلى لندن. وكان لابد من حرب ضد النمسا كي تضم فينسيا، أما روما فقد كانت بها حامية فرنسية وقد تعهد فكتور عمانويل ألا يمسها بسوء بعد أن رفضت الانضمام إلى بيدمنت.
ولم يكن مازيني بالرجل الذي ينتظر ما عسى أن تفعل حكومة بيدمنت، ولذلك جعل يتصل