بغاريبلدي لكي يحل العقدة أو يقطعها. وقد آلمه موت كافور عام ١٨٦١ على الرغم مما كان بينهما من خلاف.
وفي سنة ١٨٦٢ هجم غاريبلدي ورجاله على روما فردته جنود عمانويل وأصيب البطل في هذا الهجوم بجرح بالغ على يد رجل من بني وطنه. وكان مازيني قد حضر إلى لوجانو ليكون على مقربة من هذا الجهاد الجديد، ولقد آلمه ما حل بغاريبلدي وبخاصة عندما علم بإلقاء القبض عليه وسجنه، فراح يندد بالملك وحكومته في حماسة وسخيمة لم يسع الملك إزاءها إلا أن يصدر حكم الإعدام عليه للمرة الثالثة.
ولما فشلت حملة غاريبلدي، عاد مازيني إلى إنجلترا، وكان يومئذ في الثامنة والخمسين، إلا أنه كان لطول ما أبلى وناضل يبدو أكبر سناً. على أنه لم يفقد شيئاً من حميته، وظلت له حرارة قلبه وقوة روحه وحماسة عبارته وسحر نظرته؛ وعاودته الفاقة في غربته، ولكنه ازداد أنصاراً ومحبين. وكان يؤلم نفسه أن يرى عمره يتصرم دون أن يستطيع أن يجعل للأدب ما أراد من خدمة. وكان في تلك السنين يتتبع أخبار الحرب الأهلية في أمريكا، واتصل بجماعة التحرير الإنكليزية في لندن. وكان يبدي إعجابه ببطولة الرئيس لنكولن وجهاده في سبيل الوحدة والتحرير ويتمنى لو كان له مثل ما كان لذلك الرئيس العظيم من النفوذ الرسمي. ولما اغتيل الرئيس لنكولن حزن عليه مازيني أشد الحزن، ولكنه كان يرى الفرق بينهما جلياً، إذ لو حضره الموت الآن لمات قبل أن يرى وحدة بلاده، ولم ينعم بها ساعة كما نعم لنكولن قبل موته.
وحاول ملك بيدمنت أن يستعين بمازيني على بعث ثورة في فنسيا وفاوضه فعلاً في هذا، ولكنه عاد فتركه أمام اعتراض رجال حكومته. وفي سنة ١٨٦٦ أعلنت حكومة بيدمنت الحرب ضد النمسا منتهزة فرصة انشغالها أمام ألمانيا، ولكن جيوش بيدمنت هزمت في البر والبحر هزائم كانت مخزية للملك ورجال حكومته، ولقد أدت هذه الهزائم إلى نشاط دعوة مازيني من جديد إلى الجمهورية، ولقد لقي في تلك الظروف من الآذان الصاغية إليه أكثر مما لقي من قبل؛ والحق لقد أصبح هذا الأعزل الشيخ رجل إيطاليا كلها. وأي رجل يبلغ منزلته وله من جهاده في سبيلها زهاء أربعين عاماً لم يعرف خلالها إلا الغربة والفاقة والعذاب الشديد؟ إن مخالفيه في الرأي ومؤيديه جميعاً ليرون فيه الروح الذي علم الجيل