رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشرق وتقلب في بلاد العراق واليمن والهند ودخل مدينة دهلي حاضرة (عاصمة) ملك الهند، وهو السلطان محمد شاه، واتصل بملكها لذلك العهد وهو فيروز جوه، وكان له منه مكان، واستعمله في خطة القضاء بمذهب المالكية في عمله؛ ثم انقلب إلى المغرب واتصل بالسلطان أبي عنان. وكان يحدث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض، وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون. . . وأمثال هذه الحكايات، فتناجي الناس بتكذيبه. ولقيت أيامئذ وزير السلطان فارس بن ودرار البعيد الصيت ففاوضته في هذا الشأن وأريته إنكار أخبار ذلك الرجل لما استفاض في الناس من تكذيبه؛ فقال لي الوزير فارس: إياك أن تستنكر مثل هذا بما أنك لم تره فتكون كابن الوزير الناشئ في السجن، وذلك أن وزيراً اعتقله سلطانه ومكث في السجن سنين ربى فيها ابنه في ذلك المحبس، فلما أدرك وعقل سأل عن اللحمان التي كان يتغذى بها؛ فقال له أبوه: هذا لحم الغنم، فقال: وما الغنم؟ فيصفها له أبوه بشياتها ونعوتها فيقول: يا أبت تراها مثل الفأر؟ فينكر عليه ويقول: أين الغنم من الفأر؟ وكذا في لحم الإبل والبقر، إذ لم يعاين في محبسه من الحيوانات إلا الفأر فيحسبها كلها أبناء جنس الفأر. وهذا كثيراً ما يعتري الناس في الأخبار كما يعتريهم الوسواس في الزيادة عند قصد الإغراب. . . إلى آخر ما أورده ابن خلدون.
سيف الدين الحليلي
تحقيق
قرأت للأستاذ عبد المتعال الصعيدي مقالة: بين الأستاذين أحمد أمين وزكي مبارك، ولقد استوقفني فيها شاهد جاء به من الحديث في ذم الشعر إطلاقاً إذ يقول: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً. وما كنت لأبدئ أو أعيد لو أن الحديث صحيح، أما وهو غير ما ذكرت فإني مورد هنا قصته.
فقد جاء في رسالة (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة) أن أبا هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً ودماً خير له من أن يمتلئ شعراً) ولما بلغ السيدة روايته ارتاعت لها وقالت: (لم يحفظ أبو هريرة الحديث، إنما