يقاتل، وليس لديه ما يسميه الساسة: أغراض حرب أو شروط سلام؛ وحسبه أن صاحبه ثائر، فهو مثله يثور!)
ثم يقول الأستاذ جونت:(ويجوز أن يرجع هذا المزاج الكدر في كلاب العاصمة إلى قلة الرياضة لكثرة الوقايات الهوائية وضرورة المكث الطويل في البيوت، أو لسفر أصحاب الكلاب إلى الريف، ولكن السر الأكبر ولا ريب، إنما هو تلك النزعة القتالية التي تسري إليها من عشرائها الآدميين).
أرأيتم إذن؟
إنه الإنسان الذي يلقح الحيوان بلقاح الحرب والعدوان، وليس الحيوان بالأستاذ السابق له في هذا الميدان.
والمسألة بعدُ واضحة من غير حاجة إلى هذه الدراسات الحديثة وإن كانت هذه الدراسات مضيفة في الغد بعض المعرفة الجديدة بالطبائع والأخلاق.
فواضح قبل هذه الدراسات أن الإنسان يستعين بالحيوان في حروبه، ولم يحدث قط أن حيواناً استعان بإنسان في افتراس ضحاياه واغتيال أعدائه.
ومن قديم الزمن يستعين الإنسان بالحصان والكلب كلما وقع في نزاع بينه وبين أبناء جنسه، وأقل من ذلك عذراً أنه يستعين بالحمامة وهي رمز السلام والسلامة في تبليغ أوامر الفتك والهجوم. فقد يعذر المستعين بالحصان والكلب على أغراض الحرب لأنهما كانا عصراً من العصور الغابرة معدودين في حساب الوحوش. . . أما الحمامة فما عذر من يقحمها هذا المقحم المخيف، وهي في غير ما قاله المعري عنها:
ظلم الحمامة في الدنيا وإن حسبت ... في الصالحات كظلم الصقر والباز
لا تتعرض لاتهام!
ومضى الناس في الحرب الحاضرة على سنة آبائهم من قديم الزمن، فلم يعتقوا الحصان بعد كل ما كشفوه من الآلات والمركبات. ولا يزال رجال من قادة الحرب يقولون إن له لدوراً لا يغنى فيه غناءه شيء ولا يلحقه فيه اختراع.
ولم يعتقوا الكلب بعد اختراعهم من أدوات التجسس والاستنشاء ما يرغم أنوف الكلاب، بل ضاعفوا الحرص عليها وصدرت أوامر الحكومة الروسية بتحريم خروجها من أرضها إلا