وتأرث الحقد في قلبي يومئذ لسيدنا، فما كان يخطر ببالي مرة إلا ثارت في نفسي شياطين الشر. . .!
وأتممت التعليم الابتدائي والثانوي؛ وكنت أقضي الصيف من كل عام في القرية؛ فكان لابد لي أن ألقي سيدنا أو تلميذاً من تلاميذه عابراً في الطريق، فأطأطأ رأسي وأوفض في السير خشية أن تنزو بي نازية من الشر فأهوى بعصاي على رأسه فأحطمه!
ترى أكان ذلك شعوري وحدي، أم هو شعور الكافة من تلاميذه الذين ذاقوا من قساوته وعنفه ما لا طاقة لأحد باحتماله؟. . . ولكني أكاد أعرف تلاميذه جميعاً. وهل في القرية كلها رجل واحد لم يكن من تلاميذ سيدنا في يوم ما؟ وإنهم مع ذلك ليوقرونه ويرفعون مكانه؛ وإن منهم لرجالاً في مناصب رفيعة، وإن لي منهم لأصدقاء وزملاء!
وأتممت دراستي العالية، لأكون في أول عملي مدرساً في مدرسة من مدارس البنات الابتدائية، تتبعها روضة من رياض الأطفال، بضم شتيتاً من الصبيان والبنات بين الخامسة والثامنة تعلمهم وتهذبهم على نمط من التربية لم يكن معروفاً لعهدنا في مثل هذه السن. . .
وكنت أغدو وأروح كل يوم من عملي على هذه الروضة الضاحكة، فيسرني مرأى هؤلاء الأطفال الصغار في ثيابهم المتشابهة، يلعبون ويمرحون في بسيط من الأرض تحت رعاية معلمة عطوف، لها قلب الأم وحرص المربية، تأخذهم في اللعب؛ وتنفذ بكل أولئك إلى قلوبهم وعقولهم؛ فتنشئهم نشأة رقيقة، وتصقل وجدانهم وعواطفهم، وتطبعهم من لدن نشأتهم على الخير والمحبة والسلام!
وعلى قدر ما كان يسرني مرأى هؤلاء الأطفال، كان يتولاني شعور بالأسف على أني لست صبياً. . .!
وكان أدنى هؤلاء الأطفال العزاز منزلة إلى قلبي، هو الطفل (فؤاد)، فإني لأعرفه ويعرفني، وبيتي وبين أبيه صلة من الود؛ إذ كانت نشأتنا في بيتين متجاورين من القرية التي فارقناها معاً منذ آثرنا أن نكون في خدمة الحكومة، وكان أبوه زميلي في كتاب سيدنا، ولكنه لم يفارقه حتى أتم القرآن!
وكان فؤاد يلقاني صباح كل يوم فيحييني تحية طفلية رقيقة، ويود عني في العصر بمثلها، فلا أزال من تحيته بين الصباح والمساء في نشوة وطرب. وكثيراً ما كانت تحضرني إلى